تتعدد التصورات حول مستقبل اليمن بعد موجة الحراك السياسي التي شهدها منذ مطلع عام 2011م وأدت إلى انتخاب رئيس جديد وقيام حكومة توافقية والدخول في مرحلة انتقالية تستمر حتى فبراير 2014م يجري خلالها الحوار بين كافة الأطياف اليمنية حول مختلف القضايا المتصلة بحاضر هذا البلد ومستقبله ومن ذلك الاتفاق على شكل النظام السياسي: رئاسي أم برلماني- أم مختلط - وكذا أوجه النظام الإداري في الدولة: مركزي- أم فيدرالي أم غيرهما من الصيغ اللامركزية والحكم المحلي واسع الصلاحيات.
وفيما صار إجراء مثل هذا الحوار مطلباً شعبياً ووطنياً وإقليمياً ودولياً نتيجة لما تشكله المرحلة الراهنة من خطورة على بلد يتمتع بموقع استراتيجي مهم ترتبط به الكثير من مصالح الآخرين، فإن مستقبل اليمن سيظل مرهوناً بما ستتوصل إليه الأطراف المتحاورة من توافقات وتفاهمات بشأن المستقبل الذي تريده لبلادها ومجتمعها والأجيال القادمة.
لقد تحاور اليمنيون مرات عديدة، بل إنه منذ قيام جمهوريتهم الثانية في مايو عام 1990م ظلوا في حوار دائم لم ينقطع إلا أن جميع دورات هذا الحوار لم تفض سوى إلى المزيد من التعقيدات والخلافات والانكسارات والرؤى الضبابية والمعتمة والسبب في ذلك لا يعود لقلة خبرة من يجلسون على طاولة الحوار، وإنما لعوامل عدة لا يجهلها من يعرفون هذا البلد الذي تأسره قضايا متشابكة ومعضلات مستحكمة وموروثات بالية يصعب حلحلتها باتفاق سياسي بين النخب الحزبية من دون إشراك المجتمع بكل أطيافه وشرائحه في مواجهة العوامل المحبطة في مسيرة التحديث وانخراط الجميع في عملية التحول والتطور والتكيف مع شروطها واشتراطاتها عن قناعة واستعداد للتخلي عن كل المفاهيم القديمة التي اكتسبها البعض بقوة العادة.
وليس سراً القول إن الشعب اليمني الذي يبدو في ظاهره بسيطاً وسهلاً هو من أشد الشعوب تعقيداً بفعل الظروف الداخلية التي تعاقبت عليه والأحداث التي واجهته في عدة مراحل، ولهذا نجد الفرد فيه تتجاذبه ازدواجية مربكة، فهو مطالب بالولاء للقبيلة قبل الولاء للدولة والولاء للحزب قبل الولاء للوطن، ناهيك عن الكثير من التناقضات التي يضيق الوقت عن سردها، لكنها تعكس تداخل الذاتي مع العام والخاص مع الجمعي والقبيلة مع الدولة والوجاهة مع قاعدة النظام والقانون..
وعندما تسير الأمور على هذا النحو المختل والمعتل، فمن الطبيعي أن تصبح القبيلة بديلاً للدولة وان يصبح الحزب السياسي حزباً لرئيسه والوزارة والمؤسسة امتيازاً لمن يديرهما، وسلطة القانون محل تندر وتنكيت من أصحاب السطوة والوجاهة الذين لا يشعرون بتأنيب الضمير ولا بالإحراج من الآخرين بعد أن أصبحت الفوضى هي القاعدة ولا وجود لاستثناء يتصدى لمثل هذا العبث الذي يضرب أركان الدولة بكل وحشية وقسوة.
ولعل الضرورة هي من تفرض اليوم التذكير بهذه الجوانب لأننا في اليمن بصدد حوار وطني يراد له أن يكون جامعاً ومانعاً وغير مجتَزأ أو غامض الدلالة والأهداف.. ولا نريد من المتحاورين حلاً سحرياً لجميع مشاكل اليمن، ولكن ما ننتظره منهم هو أن يضعوا نصب أعينهم هدف بناء الدولة اليمنية الحديثة التي يتساوى فيها الجميع تحت مظلة القانون.. الدولة القادرة على بسط هيبتها وفرض النظام على الكبير قبل الصغير والمشيخيات والوجاهات قبل الرعية.. الدولة التي لا تسمح في أن ينازعها أحد اختصاصاتها وصلاحياتها سواء أكانت قبيلة أو حزباً أو جماعة متنفذة.
وكما اتفق أهل اليمن على الانتقال السلمي للسلطة وحل مشكلاتهم بالحوار والتفاهم بعد أن تأكدوا أن العنف والمغامرات الطائشة ستكون وبالاً على بلادهم ومجتمعهم، فإن عليهم إذا ما أرادوا إخراج وطنهم من عنق الزجاجة أن يتفقوا على الانتماء المشترك لهويتهم الواحدة، لأن ذلك هو ما يفرضه (فقه التاريخ والجغرافيا)، فالشعوب كما يقول الفلاسفة ورجال الفكر تنتقل خلال مراحل تطورها التاريخي من الأسرة إلى العشيرة ثم إلى القبيلة فالوطن والأمة.. وإذا ما فهم المتحاورون هذه الحقيقة بصورة صحيحة وسليمة فعندها فقط يمكن لليمنيين أن يصفقوا لهم لأنهم بهذا الفهم سيضعون اليمن على عتبات المستقبل الآمن والمشرق.. وذلك ما يحتاجه اليوم حتى يتجاوز كل معضلاته وعلى رأسها مشكلتا الفقر والبطالة، بل إنهم بمثل هذه الإرادة سيتمكنون من تقويم كافة الإعوجاجات وتكريس قيم العدالة والمواطنة المتساوية بين جميع أبناء اليمن.
× نقلاً عن الرياض السعودية.
علي ناجي الرعوي
اليمن.. تحديات الحوار والمستقبل!! 2212