يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ـ 1ـ قُمِ اللَّيْلَ ِلَّا قَلِيلًا ـ 2ـ نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ـ 3ـ أَوْدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}(1ـ 4) سورة المزمل، هكذا قال سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولقد امتثل الحبيب ليه الصلاة والسلام أمر ربه فقام وأطال في القيام، وبكى وأطال في لبكاء، وخشع وأطال في الخشوع، ويقول عز وجل لرسوله ومصطفاه:{وَمِنَ للَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ َبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (79) سورة الإسراء.
مثل قيامك في ليالي الدنيا يكون قيامك المحمود يوم القيامة، رمضان شهر
الصيام والقيام، أحلى الليالي وأغلى الليالي وأغلى الساعات يوم يقوم
الصوام في جنح الظلام:
قلت لليل هل بجوفك سر عامـــــر الحديــــــــــــث والأســـرار
قال لم ألق في حياتي حديثا كحديث الأحباب
في الأسحــــــــــــــار
ليل الصائمين قصير لأنه لذيذ، وليل العابثين طويل لأنه سقيم.
فقصارهن مع الهموم طويلة وطوالهن مع
السرور قصـــــــار
وصف الله الصالحين من عباده فقال: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ َا يَهْجَعُونَ} (17) سورة الذاريات، فليلهم من أحسن الليل، ووصفهم في لسحر فقال: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } (18) سورة لذاريات، وقال: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ َالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} (17) سورة آل مران، فأسحارهم من أجمل الأسحار:
يا ليلة الجـــــــزع هلا عدت ثانية سقى زمـانـك ال من الديم مسيت في نشوة التوفيق يقلقني طلوع فجر بدا من عالي العلم
كان المهاجرون والأنصار إذا أظلم عليهم الليل سمع لهم نشيج بالبكاء، وإذا سفر الصباح فإذا هم الأسود إقداما وشجاعة: في الليل رهبــان وعند قـــائهــم لعـــدوهم من أشجـــع الشجعان انت بيوت المهاجرين والأنصار في ظلام الليل مدارس تلاوة وجامعات تربية، معاهد إيمان، فما لبيوت كثير من الناس اليوم أصبحت ثكنات للغناء والمجون ملاجئ للسفه واللهو، اللهم عفوك ياكريم، فلما فقدنا قيام الليل قست لوبنا، وجفت دموعنا وضعف إيماننا، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه الـ ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه))، مما يعين على قيام الليل تذكر ذاك القيام المهول، ويوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور، ومما يعين على قيام الليل تذكر ظلمة القبر ووحشة القبر وهم القبر، فقيام الليل نور الظلمة القبور، ومما يعين على قيام الليل تذكر الأجر والمثوبة والعفو عن الخطيئة والذنب، ولقد تفنن السلف في قيام الليل، فمنهم من أمضى الليل
راكعا، ومنهم من قطعه ساجدا، ومنهم من أذهبه قائما، منهم التالي الباكي،
ومنهم الذاكر والمتأمل، ومنهم الشاكر المعتبر، ل لماذا أقفرت بيوتنا من
قيام الليل، لماذا خوت من التلاوة، لماذا شكت منازلنا من قلة المتهجدين:
أيا دار سلمي كنت أول منزل نزلنا به والركب ضبحت بلابله نزلنا فلم نشهد به رفقة رمضت فسال من الدمع
المكتم عاجله إذا أظلم الليل نامت قلوب الغافلين، وماتت أرواح اللاعبين، حينها تحيي
القلوب المؤمنة، وتسهر العيون الخائفة:
نامـــــــــــــت الأعــــــــــين إلا مقلة تذرف الدمــــــع وترعى مضجعك كيف ينام من يتذكر رقدة القبور، والحشر يوم النشور، وقلة الحياء، فرحماك يا رب:
كن كالصحابة في زهد وفي ورع القوم هم ما لهم في الناس أشباه عباد ليل إذا جن الظلام بهـــــــم كم عابـــد دمعــــه في الخد أجراه صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لا بن عمر: ((يا عبد الله لا تكن كفلان كان يقوم ثم ترك قيام الليل".
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
محمد سيف عبدالله العدينى
رمضان شهر القيام 2057