أم أحمد امرأة فاضلة, أديبة كاتبة شاعرة، اهتمت بتنشئة ولدها أحمد النشأة الصالحة, صار أحمد مثالاً للولد البار والشاب الصالح الذي تعلق قلبه بحب المساجد, حفظ كتاب الله في صغره, كانت أمه ترقبه وهو يكبر ويترعرع على حب الله وطاعته.. ويرقص قلبها طرباً لسماعه يشدو بآيّ الذكر الحكيم.. كانت تحفه بنظرات الحنو والرضا وتبرق أعينها إعجاباً به.. رفعت يديها كثيراً للسماء تحمد الله أن جعله قرة عين لها..
وفي ساعة مشؤومة باغتتها أيد آثمة وتخطفت ولدها من بين أحضانها، هدمت سعادتها ومزقت أمنها وشعت قلبها فأسود عيشها وهي ترى ولدها الحبيب قرة عينيها فلذة كبدها تغيبه السجون بعيداً عنها وهو بعد لم يتم الثامنة عشرة من عمره!!.
حدث ذلك في خليجي عشرين, حيث صدر أمر تعسفي ظالم بإلقاء القبض على كل شاب يتردد على حلق العلم في المساجد.. كل شاب متعلق قلبه بالمساجد.. كل شاب ملتح!، وذلك كإجراء احترازي لتأمين المحافظة كي تمر الفعالية بسلام كما زعموا!!.
كان أحمد مثله مثل كل شاب بسنه يترقب الحدث الرياضي وينتظره بلهفة, لم يكن يتصور أن يمر هكذا حدث وهو مسجون لا يدري ما هو جرمه؟!.
لقد حالت القضبان الحديدية بينه وبين بهجة ومتعة انتظرها هو ورفاقه بكل شغب ومرح الفتوة.. صرخ بحرقة: لماذا أنا هنا؟ ماذا جنيت؟ ما هو ذنبي؟ ولا مجيب ولا مغيث.. فزع الأهل والأحباب على فتيانهم طرقوا جميع الأبواب سلكوا كافة الطرق المشروعة لاستنقاذهم ولكن هيهات.. جاءهم الرد الجافي: سيبقون خلف القضبان حتى ينتهي الدوري!!.
ألجموا قلوبهم المحروقة بلجام الصبر وقالوا لا بأس سرعان ما ينتهي الدوري ويعود إلينا أبناؤنا.. وانتهى الدوري ولم يخرج السجين المظلوم، بل ومرت سنة تلو سنة وهو ما يزال حبيساً وأمثاله في غياهب السجون!!.
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا.. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة)..
قصة مظلمة أحمد تمثل صورة من صور الظلم المتفشي في هذه البلاد الممزق أمن أهلها بين غياب العدالة وتسلط الظالمين، ففي بلادنا القوي صاحب الشوكة والعدة والعدد منصور ولو كان ظالماً والضعيف المكسور الجناح الذي لا عدة له ولا عدد مهان مغلوب على أمره مقهور ولو كان على حق!.
سجون تضم بين جدرانها قصصاً للظلم لا يعلمها سوى الله تعالى والمجتمع صار هو الآخر سجناً أكبر يضيق فيه عيش الضعيف، أصحاب الحقوق المظلومون يتكاثرون ولا يجرؤ أحدهم على التقدم برفع مظلمته للعدالة، لأنها غائبة أو لأنها فاسدة ولأنه يعلم يقيناً بأنه سيخسر أضعاف مظلمته في سبيل استرجاعها!!.
صاحب الشوكة يستخدم قوته بصلف وعنجهية لاستخراج ما يحق له وما لا يحق، وقد يتسلط على الضعفاء، فينتهك أعراضهم ويسلب أموالهم ولا ناصر ولا مغيث..
أهلك الله بني إسرائيل لأنهم "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون..".. وها نحن ذا نرى المظالم تتزايد من حولنا في صورة منكرة لا ترضي الله تعالى ولا ترضي من بقي في قلبه نبضة ضمير.
لقد أضحى المجتمع مريضاً, ينخر الظلم في أساسه, ويضرب قواعده وأركانه ويهدم ثوابته وإيمانه, مع صمت مطبق وتواطؤ مخيف على ثقافة القوي يلتهم الضعيف!!، وتتابعت المحن والفتن وصدق فينا قوله جل وعلا:" واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة".
نبيلة الوليدي
المجتمع المريض!! 1978