تقوم الإيديولوجية الاقتصادية في الدستور اليمني على عدد من الأسس أهمها الرأسمالية التي هي أهم هذه الأسس، بل هي أساس هذه الإيديولوجية وهي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية التي هي مصدر القوانين في اليمن وفي إطار هذا الأساس الإيديولوجي للنظام الاقتصادي في الدستور اليمني يجوز الاستثمار في مجالات عديدة منها التعليم وقد سارع عدد من اليمنيين إلى إنشاء الجامعات الخاصة، قاصدين بذلك الاستثمار في مجال التعليم.. والسؤال الذي نطرحه هنا ليس جواز ذلك من عدمه، فذلك أمر مفروغ منه من الناحية الدستورية والقانونية، ولكن السؤال الهام محور هذه المقالة ما هي الضوابط التي يجب على المستثمر في هذا المجال الالتزام بها؟ وهل الجامعات الخاصة في اليمن تلتزم بهذه الضوابط فعلاً؟.. من الناحية القانونية، فإن الأمر لا يقتصر على الجانب الدستوري الذي أشرنا إليه سلفاً، بل إن هناك قانوناً صدر من البرلمان اليمني ينظم إنشاء هذه الجامعات وأساليب عملها في مجال التعليم هو القانون رقم (13) لسنة 2005 بشأن الجامعات والمعاهد العليا والكليات الأهلية.
إلا أننا إذا نظرنا نظره سريعة إلى هذه الجامعات لوجدنا أنها أبعد ما تكون عن الأسس والقواعد القانونية التي لا يلزمها بها القانون فقط، بل طبيعة المجال الذي تقوم بالاستثمار فيه، فهو مجال حيوي ليس كالمجالات الأخرى تقتضي طبيعته حتمية الالتزام بضوابط معينة إن لم يصدرها المشرع في نصوص قانونية، فإن على المستثمر محاولة تلمسها من مصادر أخرى غير التشريع.
إننا وإن تغاضينا عن البنية التحتية وأثاث الجامعات ومستلزمات التعليم وبعض الاستثناءات التي نص عليها المشرع في القانون آنف الذكر مراعاة منه لطبيعة الاستثمار ومتطلباته، إلا أنه من الخطر الكبير الذي يضر بالمصلحة العليا للوطن وبالأجيال القادمة أن نغض الطرف على بعض الممارسات القاتلة للأجيال والتي هي سبب انهيار التعليم في اليمن وسنحاول هنا الإشارة إلى بعض هذه الممارسات كالآتي:
1. تقوم بعض الجامعات الخاصة بالاعتماد على أعضاء هيئة التدريس المعاونين دون الأساتذة المتخصصين وذلك حتى تقلل حجم التكاليف والأعباء المالية، بما في ذلك من ضرر كبير على أعداد الأجيال.
2. في بعض الجامعات الخاصة يصدر تعميم غريب جداً لا علاقة له بالقانون ولا بالأعراف الأكاديمية، بقدر ما يراعي مصالح الجامعة المالية، حيث يقضي هذا التعميم بأن يكون الأساتذة في المستوى الأول والثاني من المعيدين والمدرسين وأن يكون الأساتذة في المستوى الثالث والرابع من الأساتذة مع أفضلية المعيد والمدرس أن توفر وكل ذلك من أجل المصلحة المالية للجامعة.. بالله عليكم أي مخرجات سيتم تخريجها من هذه الجامعات وهل ستكون نافعة للمجتمع وبناءة له؟ أم أنها ستكون على عكس ذلك هدامة للوطن؟.
3. في بعض الجامعات الخاصة يذهب بعض المسؤولين فيها إلى الاشتراط على الأستاذ بأن يضع اختبارات سهلة وإذا خالف الشروط يتم مقاطعته على الفور، فمصلحة الطالب في هذه الجامعات فوق مصلحة الوطن.
4. ويذهب بعض الأساتذة تحت ضغط الحاجة إلى التسليم بشروطهم ومسايرتهم، لأنهم يعلمون أنه بغير ذلك لن يستطيعوا أن يوفوا باحتياجات أطفالهم وأسرهم، فهناك قاعدة معروفة في التعليم في أغلب هذه الجامعات هي أن يقوم أستاذ المادة بتحديد عدد من الأسئلة (عشرة إلى خمسة عشر سؤالاً) منها يأتي الاختبار حتى يحبه الطلاب ويستمر ولا ينقطع رزقه.
5. حتى أن بعض الزملاء تنازلوا عن كثير من حقوقهم المقررة وفق القواعد العامة والشرعية التي لا تحتاج إلى نصوص قانونية لإقرارها، ومع ذلك تجدهم خانعين أذلاء لا يصدعون بالحق ولا يبدون أي اعتراض وعندما اسألهم: لماذا أنتم ساكتون هكذا؟ يرد أشجعهم وليس كلهم فيقول (نحن نحافظ على مقابل المحاضرات ونتساهل في بعض الحقوق الأخرى لنحافظ على هذا الرزق) على ضآلته.
إننا إذ نشير إلى هذه المثالب في الجامعات الخاصة بما لها من تأثير بالغ على سير العملية التعليمية في اليمن، موجهين خطابنا هذا إلى الأستاذ/ محمد سالم باسندوه، باعتباره رئيس المجلس الأعلى للجامعات وكل المهتمين بالمستوى التعليمي في الجامعات اليمنية والمنظمات الدولية ذات العلاقة التي لها دورها في تقييم هذه الجامعات والشهادات الصادرة عنها، ونحن على يقين أن هؤلاء لديهم من الوسائل والسلطات ما يستطيعون به تحديد الخطر وتشخيصه بأسلوب دقيق متخصص، فإننا نطالبهم بالتصدي بحزم لهذه الظاهرة الخطيرة ومعالجة آثارها قبل أن نواجه جيلاً أمياً يعيد اليمن إلى الخلف بدلاً من دفعها إلى الأمام.
د. ضياء العبسي
أجيال الجامعات الخاصة.. إلى أين؟ 2292