إن استمرار تدهور الأوضاع المعيشية للمواطن العربي خاصة في الدول الأقل نمواً، والتي تواجه تحديات خطيرة تجعلها عاجزة عن الوفاء بالأهداف التنموية لألفية وبما يؤدي إلى إشعال العديد من الأزمات ألاجتماعية وانتشار حركات الاحتجاج. فقد افتقدت أغلبية الدولة العربية بالاهتمام بسياسات التعليم والرعاية الصحية ومكافحة الفقر إضافة إلى ضمان عدالة التوزيع للموارد في المجتمعات العربية، وإعطاء الرعاية الاجتماعية والاستثمار في المواطن العربي الأولوية القصوى في السياسات التي تضعها الدول العربية. ومع ضرورة توفير التمويل الكافي لمنظمات المجتمع المدني في الوطن العربي حتى تتمكن من المشاركة بفاعلية في تحقيق الأهداف التنموية، والمساهمة في تحسين جودة الحياة للمواطن العربي. معظم الدول العربية لن تتمكن من الوفاء بالأهداف التنموية للألفية.. والاستثمار في الإنسان هو الحل اهتمام القادة العرب بدعم دور المجتمع المدني في خدمة أهداف التنمية.. مع تطور نوعي كبير في الاهتمام بدور المجتمع المدني، كشريك رئيسي في عمليات التنمية والدعوة الى تسريع وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأشارت بحوث إلى أن زيادة معدلات الفقر والبطالة ودهور أوضاع المواطنين وتراجع معدلات التجارة البينية والاستثمارات المشتركة وهجرة العقول العربية وضعف البنية التحتية في العديد من البلدان العربية، إضافة إلى عدم مواكبة مخرجات العملية التعليمية لاحتياجات التنمية وعدم مراعاة معايير العدالة والإنصاف في توزيع عائدات المجتمع، كلها تمثل تحديات كبيرة أمام المجتمعات العربية تحتاج إلى تضافر الجهود الرسمية والأهلية.
إن هناك أيضاً عدداً من المشروعات التي ماتزال تعاني من تباطؤ معدلات الانجاز، وهو ما يحتاج إلى مراجعة دقيقة من جانب قمة شرم الشيخ للوقوف على أهم المعوقات التي تعترض تلك المشروعات وتذليلها. آليات التمويل ودعت بحوث إلى ضرورة الاهتمام بتدريب وتأهيل العاملين في قطاعات المجتمع المدني، من أجل تفعيل دور عملية التنمية، إضافة إلى الاهتمام بتقوية آليات التمويل الخاصة بمنظمات المجتمع المدني، وبما يضيف إلى قدرتها على التفاعل والتعامل مع التحديات القائمة. مع، تحقيق المساواة بين الجنسين، ومواجهة العنف ضد المرأة، والاهتمام بصحة المرأة، وصحة الأمهات وخفض معدل وفياتهن.
شهد العالم خلال العقود الثلاثة الماضية إدراكا متزايدا بأن نموذج التنمية الحالي (نموذج الحداثة) لم يعد مستداما، بعد أن ارتبط نمط الحياة الاستهلاكي المنبثق عنه بأزمات بيئية خطيرة مثل فقدان التنوع البيئي، وتقلص مساحات الغابات المدارية، وتلوث الماء والهواء، وارتفاع درجة حرارة الأرض(الدفء الكوني)، والفيضانات المدمرة الناتجة عن ارتفاع منسوب مياه البحار والأنهار، واستنفاد الموارد غير المتجددة، مما دفع بعدد من منتقدي ذلك النموذج التنموي إلى الدعوة إلى نموذج تنموي بديل مستدام يعمل على تحقيق الانسجام بين تحقيق الأهداف التنموية من جهة وحماية البيئة واستدامتها من جهة أخرى. وفي هذا السياق يشير كل من سوزان وبيتر كالفرت إلى أن البشرية تواجه في الوقت الحاضر مشكلتين حادتين، تتمثل الأولى في أن كثيرا من الموارد التي نعتبر وجودها الآن من المسلمات معرضة للنفاد في المستقبل القريب، أما الثانية فتتعلق بالتلوث المتزايد الذي تعاني منه بيئتنا في الوقت الحاضر والناتج عن الكم الكبير من الفضلات الضارة التي ننتجها. ونتيجة لذلك فقد أسهمت الضغوط المشتركة لكل من ازدياد الوعي بالندرة القادمة وتفاقم مشكلة السّمية في العالم إلى بروز مسألة الحفاظ على البيئة واستدامتها كموضوع مهم سواء في مجال الفكر أو السياسة (كالفرت و كالفرت 2002: 423). ففي المجال الفكري أسهم الشعور بالوضع المتدهور لبيئة الأرض في ظهور حقل معرفي جديد يعرف بالسياسة الإيكولوجية Ecopolitics التي عرّفها جيوماريز Guimaraes على أنها "دراسة الأنساق السياسية من منظور بيئي"، والذي يعني أن الإلمام بعلم الطبيعة يعتبر بنفس أهمية الإلمام بالعلوم الاجتماعية والثقافية والسياسية عند دراسة الأنساق الإيكولوجية وقدراتها(نقلا عن: كالفرت وكالفرت 2002: 423)، ولذلك فإن شيوع فكرة التنمية المستدامة في أدبيات التنمية السياسية منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين مثل في جزء منه محاولة لتجاوز إخفاق النظرية السلوكية في مجال التنمية، التي تبنت نموذج الحداثة، والبحث عن نموذج جديد يعمل على التوفيق بين متطلبات التنمية والحفاظ على بيئة سليمة ومستدامة.
وتحاول حركة الاستدامة اليوم تطوير وسائل اقتصادية وزراعية جديدة تكون قادرة على تلبية احتياجات الحاضر وتتمتع باستدامة ذاتية على الأمد الطويل، خاصة بعدما أتضح أن الوسائل المستخدمة حاليا في برامج حماية البيئة القائمة على استثمار قدر كبير من المال والجهد لم تعد مجدية نظرا لأن المجتمع الإنساني ذاته ينفق مبالغا وجهودا أكبر في شركات ومشاريع تتسبب في إحداث مثل تلك الأضرار. وهذا التناقض القائم في المجتمع الحديث بين الرغبة في حماية البيئة واستدامتها وتمويل الشركات والبرامج المدمرة للبيئة في الوقت نفسه هو الذي يفسر سبب الحاجة الماسة لتطوير نسق جديد مستدام يتطلب إحداث تغييرات ثقافية واسعة فضلا عن إصلاحات زراعية واقتصادية.
إن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية مايزال يشكل العائق الرئيسي لعمليات التنمية في الوطن العربي، وقد تسبب هذا الاحتلال في تعطيل جهود التنمية العربية لعقود، وهو ما يفرض تحديا إضافيا على عمليات التنمية العربية أن معظم البلدان العربية لن تتمكن من تحقيق الأهداف التنموية للألفية التي كان مقررا تحقيقها خلال الفترة من عام 1990 حتى عام 2015.
وقال في جلسة العمل الأولى حول دور منظمات المجتمع المدني في تعزيز الوعي العربي بأهداف الألفية أن البلدان العربية فشلت في تحقيق الهدف الأول للألفية وهو القضاء على الفقر المدقع والجوع.. حيث أن المؤشرات الحالية تؤكد أن حوالي 20% من السكان في الدول العربية يعيشون بأقل من دولارين للفرد يوميا، وان أكثر من 40% من السكان يعيشون بأقل من 2.75 دولار للفرد يومياً.
وأشار إلى أن هناك تفاوتا كبيرا في معدلات الفقر بين الدول العربية وداخل البلدان العربية نفسها.. وان معدلات الفقر تسير بسرعة كبيرة داخل بعض البلدان، وأضاف أن عدداً كبيراً من الدول العربية فشل في توفير فرص العمل اللازمة للقضاء على مشكلة البطالة.. وان نسبة البطالة في الدول العربية سجلت 12% وهو اعلي معدل للبطالة في العالم، 40 ٪ من العرب يعيشون على أقل من 2.75 دولار يوميا.. ومعدلات البطالة الأعلى في العالم والذي يصل في الدول النامية 6%.. كما تصل نسبة البطالة بين الشابات إلى 45%.
وأوضح أنه رغم التقدم الملحوظ في مجال تغذية الأطفال إلا أن محاولات القضاء على الجوع وخفضها إلى النصف مازالت ضعيفة وان تتمكن الدول العربية من تحقيق هذا الهدف في 2015، أن الهدف الثاني من أهداف الألفية يتعلق بتعميم التعليم الابتدائي بحلول عام 2015، وانه رغم المحاولات العربية والتحسن الملحوظ في مجال المساواة بين الجنسين للحصول على التعليم إلا أن 25% من الأطفال في العراق وفلسطين غير ملتحقين بالمدارس.. بالإضافة إلى أن الدول العربية مازلت تعاني أيضاً من انخفاض جودة التعليم.
وأكد سمرا أن الدول العربية لن تتمكن من تحقيق هدف خفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة والرضع رغم كل ما حققته من انجازات في هذا المجال.. كما أنها لن تتمكن أيضاً من تحسين صحة الأمهات وخفض معدل وفياتهن.. بالإضافة إلى عدم قدرتها على تحقيق هدف مكافحة فيروس سي ونقص المناعة البشرية والملاريا وغيرها.. ولن تتمكن أيضاً من تأمين الاستدامة البيئية وحصول السكان على المرافق من مياه الشرب والصرف الصحي رغم التقدم الضئيل فى هذا المجال.
وأشار إلى أن أهم التحديات التي تواجه البلدان العربية في الوقت الحالي تتضمن ضرورة تحقيق النمو الاقتصادي المستدام من اجل خفض نسب الفقر والبطالة، عن طريق زيادة الاستثمارات وتحديث الاقتصاد والانتقال من اقتصاد ريعي استهلاكي إلى اقتصاد منتج مع التركيز على قطاعات الزراعة والتكنولوجيا. وقال إنه يجب أن تلعب منظمات المجتمع المدني دورا اكبر في وضع السياسات وبرامج التنمية التي تضعها الحكومات، ومتابعة وتقييم هذه السياسات والبرامج والعمل على تطبيقها وتحسين نتائجها على المستويين الوطني والمحلي. ويجب تفعيل التعاون المؤسسي مع منظمات الأمم المتحدة الإقليمية من أجل ضمان حضور عربي مميز في أعمال المراجعة النهائية لمسار أهداف الألفية، واعتبار قضية مكافحة الفقر البشري بكل تجلياته وما يرتبط به من توفير متطلبات العمل اللائق محور العمل الاجتماعي العربي، وكذلك الاهتمام بالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، والاهتمام أيضاً بمشروعات التعاون الاقتصادي الإقليمي بين الدول العربية، ورسم سياسات التجارة بما يخدم أهداف التنمية.
ضرورة العمل على نشر ثقافة التسامح وحقوق الإنسان واحترام المرأة، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص. أما على المستوى السياسي فقد بدأ المجتمع الدولي، منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، يدرك مدى الحاجة إلى مزيج من الجهود السياسية والعلمية لحل مشاكل البيئة وعندها أصبح مفهوم التنمية المستدامة يمثل نموذجا معرفيا للتنمية في العالم، وبدأ يحل مكان برنامج "التنمية بدون تدمير" Development without Destruction الذي قدمه برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP في السبعينات ومفهوم "التنمية الإيكولوجية" Ecodevelopment الذي تم تطبيقه في الثمانينات. ووصل الاهتمام العالمي بالقضية البيئية ذروته مع تبني مفهوم التنمية المستدامة على نطاق عالمي في مؤتمر قمة الأرضEarth Summit الذي عقد في مدينة ريو دي جانيرو عام 1992م. وقد برز هذا الاهتمام العالمي بقضية البيئة بوضوح في تأكيد منهجية التنمية الإنسانية، وفقا لتقرير التنمية الإنسانية العالمي الصادر عام 1995، على عنصر الاستدامة، من خلال التأكيد على عدم إلحاق الضرر بالأجيال القادمة سواء بسبب استنزاف الموارد الطبيعية وتلويث البيئة أو بسبب الديون العامة التي تتحمل عبئها الأجيال اللاحقة أو بسبب عدم الاكتراث بتنمية الموارد البشرية مما يخلق ظروفاً صعبة في المستقبل نتيجة خيارات الحاضر(UNDP 1995).
× كاتب مصري دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
د. عادل عامر
هل الاهتمام العربي بالسياسة نأى به بعيدا عن الاهتمام بالتنمية 2070