لسنا نعرف معنى لحوار وطني والجيش لم تتم هيكلته بعد وما تزال كثير من الأمور عالقة والكثير من الثوار رهن الاعتقال ولم يتم الإفراج عن أحد منهم.. وكيف يتم حوار وكثير من القوى المناوئة للتغيير تتمترس من ذات الواقع التي أرهقت الوطن زمناً غير قصير.
لسنا هنا ضد الحوار قدر حرصنا على أن يكون مجزياً ومثمراً فعلاً بالقول والعمل وبعيداً عن التمني والأحلام البراقة.
ومازال هناك أسرى من ساحات التغيير يقبعون في المجهول ولا أحد يدري عنهم شيئاً، فإن الكثير من الشائك فاجع على الحوار الذي لم تستكمل شروط البدء به إن لم يكن في محصلته مناوأة بين أطراف تغتال قضية شهيد وسجين.
ما يحز في النفس أن نرى من يؤكد على الحوار بطريقة القفز على الواقع ومكوناته، لنجد أنفسنا أمام معضلات شتى تزيد من الفوضى وتعمق خلافات لا نرجوها ولا نريدها.. وإذن بيننا والحوار مسافات أبحر وجبال ما لم يحدث تحول حقيقي في الإيمان أولاً بالقضية في التغيير وبأن لا يكون هناك معتقل واحد خرج من أجل الوطن ويجري تجاهله، وهو أمر يحز في نفس كل حر يدرك معنى النضال والتضحية ومعنى الوفاء للدماء التي سالت ولولا أولئك الذين اعتقلوا من أجل وطن يريدونه حرية وعدالة.
الأولى إذاً أن تحقق شروط الحوار باستكمال ما أراده الأحرار وضحوا من أجله، والأولى أن يكون الحوار تعبيراً ووفاءً حقيقياً لمطالب شعب وأن يكون منطلقاً من قوة الضمير ومن البحث عن فرص التقاء فيها تتعزز الثقة وتتلاقى كل مكونات الواقع مع تغيير حقيقي نادى وعمل من أجله وضحى الكثير من أبناء الوطن.. والأولى أيضاً أن تستكمل هيكلة الجيش حتى لا يظل مهدداً بسكينته وأمنه وسلامته وملكاً لقوى موالية لما ليس وطنياً.
هكذا نرى الحوار ونريده من منطلق الإيمان بالإنسان، بالحقوق والحريات، بالشراكة الوطنية بالجيش من أجل الوطن.. ولن يكون ذلك وثمة قهر ما زال يوجد ونراه في السجون واعتقال طلاب حق وتغيير.. وأي معنى للحقوق والحريات وثمة مجهولون في سجون ولا يرون النور
وكانوا القوة الحقيقية للتغيير؟ وأي طعم لحوار فيه متعددة والجيش غير موحد وطنياً.
والواقع أن ثمة اختلالاً حقيقي يحدث مصاحباً للحوار ما لم نؤمن أولاً بعدالة التغيير وضرورته وإنقاذ الأحرار من بطش السجان وهيكلة الجيش.. هذا أمر نؤكد عليه حتى لا يقال على التغيير أنه أشبه بالكاميراا الخفية وأنه مخاتلة وبحث عن مكاسب ذاتية ومصالح أشخاص أو أحزاب، ونحن في حقيقة الأمر لا نريد أن تستبد بنا الظنون ونذهب كل مذهب للتشكيك في الحوار وفي القائمين عليه، ولن تنصف بشيء من هذا إلا حين نجد من كان من قوات التغيير وأبطاله من شهداءنا والمساجين صاروا نسياً منسياً. أو جاؤوا بقفل على مطالبهم وطموحاتهم التي ضحوا من أجلها ولا نظن أحداً من مكونات الحوار وأطرافه يرجى بأن يضع نفسه في موقف غير جدير به ويقبل بالخديعة ويتناسى أهمية الحرية لكل أبناء الوطن والجيش معزز الأرض والإنسان، هذا ما نربى بأي من الشخصيات الوطنية النزيهة أن تقع فيه وندعوها هنا أن تكون في مستوى الآمال المرجو ة لنمضي في مسيرة الحوار ولكن ليس قبل خطوات حقيقية تحقق التغيير وحينئذ سيكون للحوار وحلحلة المعقد مجاله وحضوره ومباركة كل أبناء الوطن.
هذا ما نأمله ونرجوه لتكون المتغيرات صميمية ومعبرة عن روح الانتماء الوطني، وعن الوفاء لكل من جعل الوطن يصل إلى توافق وإلى شراكة في البناء والتنمية وإلى لحمة وطنية تتعزز فقط من خلال قوة الإصرار على البقاء في مستوى ما هو إنساني لا يقبل تأجيل قضية وطن ولا مطالب حرية وعدالة ولا عدل مظلوم خرج من أجل الحرية والكرامة ليقع في الأسرة ونسيانه هذا أمر شديد الألم طريقه أن تصل به إلى مستوى الخيانة كما هي لا تزيد ولا تنقص شيئاً.
من هنا نؤكد أهمية الحوار الوطني الجاد والمثمر المبني على الاعتراف بالآخر والقائم على التضحية واستنهاض الروح الوطنية التي تمثلت في شهداء الثورة والتغيير ومن وقعوا في الأسر وما زالوا لدى السجان يعيشون عذابات يومية فيما كل يركز على العدالة هنا ويمضي صوب حوار عقيم.. حينها يدرك من يتحاورون أنه لولا الذين ضحوا بحياتهم وعانقوا السجون لما وصل الأمر إلى ما هم عليه ولما كانوا متحاورين في الأساس ولما وجدت شراكة وطنية وتنوع في إطار الوحدة ولكانوا أسرى اعتقال نظام استأثر بالحياة كلها وجعل التمييز قاعدة والتنمية والإبداع استثناء.. لهذا وبهذه الروح وجد من ضحوا المعنى الوطني الكبير الذي ينبعي الانطلاق منه ليستمد الحوار قوته وعافيته وعناوينه المستقبلية.
والواقع أن التغيير الذي نراه اليوم إلى حد ما في التحقق ما زال بحاجة إلى تكاتف وتلاحم كبير ويحتاج إلى إرضاء قيم العدالة والحرية من خلال مواقف شجاعة وليس أقوال وشعارات فجة تتعثر عند أول اختبار تقع فيه حين يدير ظهر المتحاورين لمن ضحوا واستبسلوا وكانوا القوة التي استمد الفعل الثوري الخلاق مكوناته منها وبإصرارهم وإرادتهم وقوة استبسالهم يجعلونا نقف إجلالاً واحتراماً وتقديراً لعطاءاتهم وتضحياتهم التي يستحيل تناسيها أو تجاهلها مهما كانت المكاسب التي ستبدأ آنية وزائفة أيضاً ما بقي معتقل واحد خرج من أجل الحرية للجميع ليخذله الجميع.
الأولى والحال كذلك أن ندرك أن عدالة قضيتنا الوطنية وأهميتها من خلال الوفاء لمن ضحوا دون تردد ومن أهمية هيكلة الجيش وحينئذ سنعرف المعنى الحقيقي للانتصار الرائع ومعنى أن يكون الحوار من أجل الوطنية والحرية والازدهار وشراكة وطنية وقبول بالآخر وسنعرف قيمتنا كبشر نحتفي بالحب وننطلق منه لنحقق ما نريد ولكن ليس قبل عدالة القضية التي ناضل من أجلها الشرفاء وعانا في سبيلها الأحرار وقدموا مستوى من التضحية لا يمكن لأي وطني غيور إلا أن يقف إلى جانب معاناتهم وبوفاء يستحقه الأبطال ويقدره الشجعان.. هكذا نرى الحوار في محصلته أولاً وفاءً نبيلاً ومعنى إنسانياً يتجلى في العمل أولاً على الحرية لكل الأحرار المعتقلين.
محمد اللوزي
لا معنى لحوار دون الوفاء للشهداء والمعتقلين 2372