كما أتاك رمضان خجولاً، أتاك العيد أكثر خجلاً، فكيف يلج عتبات أبوابك وأزقة المدينة و "الضيعة" مليئة بدماء أبناءك. رحى الحرب أتت على كل شيء فيك "عرين العروبة" ولا ندري الحقيقة الواضحة لما يجري في أراضيك .
لم يحسم أحدنا قراراته أو تكهناته في هذه الحرب التي طالت واستنزفت دماء غالية من خيرة أبناء سوريا .
يتساءل البعض "هل فكرنا في سوريا فيما بعد الأسد؟" كما فعل الأستاذ/ عبد الباري عطوان في إحدى مقالاته بصحيفة القدس العربي الذي يرأس تحريرها، حيث سرد بما يشبه الرسالة التاريخية وتحدى أي حاكم أن يجيب على هذا السؤال !
لدى الأستاذ/ عبد الباري عطوان من الحق الكثير فنتاج الثورات على الأنظمة العربية الإستخبارتية القمعية يظل مجهولاً أمام أي عملية قراءة مستقبلية ولا تقاس بهذا الشكل فلا أحد له تصور واضح تماماً كون المنطقة العربية برمتها عانت من هذه الأنظمة ولم تحظ دولة بتجربة حكم فريدة تمكن الباحث أو السياسي من قراءة ما سيحدث بعد انهيار هذه التجربة أو النظام .
لن أقول هنا بأن الصعوبة كامنة في قراءة المستقبل فحسب، بل في قراءة الماضي، فقبيل الثورة السورية وأبان انطلاقها حتى اليوم معظمنا لم يستطع استيعاب كيف تمكن الشعب السوري من قول كلمة " لا " في وجه نظام البعث الإستخباراتي الأمني؟ ولا كيف كانت نقطة الانطلاق؟
فمن كان يجرؤ على مخالفة أمر النظام أو مناهضته حتى بحروف عابرة في جلسة أنس أو طرب؟
إذا من أراد قراءة المستقبل فليحزم أفكاره وليعد إلى الماضي وليبدأ من هناك إذ كان محظوظاً ووجد خيط البداية.
باعتماد كلا منا على إعلامه الذي يؤمن به ومن نظرية اختلافنا ما بين مؤيد لنظام الأسد وضد النظام نستسقي المعلومات تبعاً لتصنيفاتنا " مع " و "ضد "
وبهذا يصعب علينا التكهن بالحاضر والمستقبل .
إعلام معين لا يدع لديك مجالاً للشك بأن الثورة بدأت كمؤامرة على سوريا وأن هناك أكثر من جيش يتصارعون داخل أراضي سوريا "لتكون أطراف الصراع: جيش النظام برفقة الجيش الإيراني وحزب الله ضد الجيش الحر وجيوش السعودية وقطر وتركيا "
إعلام آخر يرسل لك الرسائل بأن النظام يذبح الجميع بلا هوادة بمساعدة إيران وحزب الله وتأييد روسيا والصين وبأن لا هناك في الطرف الآخر سوى الجيش الحر الذي ينقصه الدعم ويعتمد على الدعم الشخصي وما تخلفه الانشقاقات من دعم، وإعلام يقنعك بأن لا هناك سوى إرهاب ومؤامرة على سوريا بدعم صهيوني.
وفي صعوبة قراءة المشاهد ومستقبل دولة هامة ضمن بلدان الطوق مع إسرائيل يستدعي وقوف الجميع لإيقاف آلة الموت التي تثقب قلب " عرين العروبة " فدولة جميلة بطبيعتها وناسها لا تستحق هذا الدمار والخراب واستشعار الجميع بانعكاسات الحرب والموت بطرق عدة ووحشية لتخلق بشراً بنفسيات أخرى ليست كالمعهودة سلفاً جاعلة مسلسل الموت مستمر .
أعداد القتلى المتزايدة وبالمئات واستنزاف الأرواح بهذه الطرق الوحشية تجعل جميع البشر مسئولي أمام هذه الأحداث وتحملهم واجبهم الإنساني الذين تكاسلوا عن القيام به واكتفوا بمشاهدة المناظر المحرقة للقلوب دون أن يحركوا ما من شأنه إيقاف حمام الدم .
فمن لديه من الضمير الحي القليل سيبادر لنصرة هذا البلد وشعبه، فلقد شبع الناس هناك الموت! أفلا نعقل ويعقلون!
* غصة وطن :
أين شبابك وصباياك يا حمص !
لا ورود تباع اليوم وقد كانت قبل هذا تستنفذ قبل العيد بأيام؟
أين مهرجان الربيع يا حماة، وجنينه أم الحسن وهدير نواعيرك في كبد العاصي؟
أين الشرائط الحمراء والدببة الملونة، وعشاق يتبادلون نخب المحبة، أين هم؟
يخذلني رجع صدى نحيب الثكالى وتلك الأشلاء التي لا تقوى العين على رصد تفاصيلها..
لك الخلاص والنصر والحرية يا سوريا، لك المجد يا عرين العروبة.
أحمد حمود الأثوري
سوريا .. ماض ومستقبل غامض 2106