;
د. عادل عامر
د. عادل عامر

جرائم يتباهى بها الشعب ويمارسها 2239

2012-08-22 08:24:12


الجرائم التي بصدد إلقاء الضوء عليها لأنها أصبحت شيء عادي وطبيعي يمارسها الشعب يومياً وأصبحت صفة وقوة ومدي نجاح وقدرة فاعلها ويباهى بها أمام الجميع دون حمرة من خجل لأنها أساس من أسس الحكم وأركانه إلا وهي جريمة الرشوة وكافة صورها المختلفة، حيث أن هذه الجريمة من جرائم الوظيفة العامة لأنها تنطوي هذه الجريمة علي الاتجار من جانب الموظف العام أو المستخدم أو المكلف بأداء وظيفة عامة لصالحة الخاص سواء كان لعمل معين أو للامتناع عن أداء معين يكون من خصائص وظيفته، حيث أن الموظف يرتبط بالدولة للأداء أعمال وظيفته وذلك لقاء اجر وليس أن يتقاضي من الأفراد مقابل للأداء هذا العمل لأغراضه وهو ما يؤدي بالمكانة الوظيفية ولاختلال ميزان العدل، لذلك حرم المشرع هذه الجريمة وصورها المخلفة فالرشوة بمعناها الدقيق هي اتجار الموظف واستغلاله لوظيفته.
إن الرشوة تكون في القضاء فيُعطَى الحكم من لا يستحق، ويُمنعه من يستحق، وتكون الرشوة في الوظائف والمسابقة فيها، فيُقدَّم من أجل الرشوة من لا يستحق النجاح أو تُعطى له الأسئلة قبل الامتحان، وتكون الرشوة في تنفيذ المشاريع، وفي التحقيقات الجنائية وغيرها، فيتساهل المحققون المرتشون في التحقيق ويُخفون الحقيقة، وأغرب من هذا أن تدخل الرشوة في التعليم، فينجح من لا يستحق النجاح، ويتساهل المراقبون في مراقبة الطلاب من أجلها، فيتقدم الطالب الضعيف، ويؤخر المؤهّل وفي ذلك حصول الكوارث والحوادث في المجتمع، والشرور على البلاد والعباد.
إن الشارع لم يقصر تطبيق أحكام الرشوة علي الموظفين العموميين والمأمورين أياً كانت وظيفتهم من المقرر أن الموظف العام يعهد إلية بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو احد أشخاص القانون العام عن طريق شغل منصبا يدخل في حكم الموظفين العموميين مواطن ما أورد به نصا أن أهلية الأداء صفة قدرها الله سبحانه وتعالى في الإنسان تجعل تصرفاته ماضية وصحيحة وان مسؤولية الراشي تثبت عليه ما دام قد امتلك الأهلية الكاملة وتثبت عليه الأحكام بوجود تلك الصفات المؤهلة لوقوع الحكم الشرعي على المكلف وقد عد العلماء العقل مناطا لأهلية الأداء فلا أهلية للمجنون ولا للصبي غير المميز ولا للمكره لان هؤلاء جميعا لا يدركون مراد الخطاب الشرعي ومقصد الشارع الحكيم وبهذا لن يمتثلوا لأمر ولن يجتنبوا نهياً وعليه فأهلية الراشي للأداء تعني أن يكون صالحاً لصدور الأفعال عنه لتصح تصرفاته شرعا، ولتترتب عليه آثارها.
هذه هي وصف جريمة الرشوة بصفة عامة ثم ننتقل إلى الجرائم التي ترتكب يصفه عامة بين الناس أو آحادهم وتعتبر ركناً من أركان هذا النظام ولم تنته حتى من بعد قيام ثورة 25 يناير ومنتشرة في ربوعها وأصبحت سمة من سمات المجتمع ويتباهى بها على رؤوس الإشهاد كأنها عمل عظيم وخارق فعله متباهياً هذا العمل ألا وهي الاستجابة للرجاء أو التوصية أو الوساطة) ذهبت المادة 105 مكرر عقوبات إلى معاقبة كل موظف عمومي قام أو امتنع عن عمل من أعمال وظيفته أو أخل بواجباتها نتيجة للاستجابة لتوصية أو لرجاء أو ووساطة) دون أية فائدة أو جعل سابق أو لاحق وذلك لشبهة هذه الجريمة مع جريمة الرشوة وما تؤدي هذه الجريمة من إخلال نتيجة للعابثين من الموظفين.
إن القانون ذهب للاعتبار الموظف العام الفاعل الأصلي للجريمة بينما صاحب المصلحة أو الوسيط أو من قام بالتوصية ما اعتبره القانون مجرد محرض أو شريك بالتحريض أو الاتفاق حتى استجاب الموظف لذلك، بينما لا يعاقب لنص المادة من كان مستفيداً دون أن يكون له دور في أية مرحلة من مراحل تلك الجريمة.
أ‌- الرجاء أو الوساطة أو التوصية
تعتبر تلك الوسائل من وسائل الإغراء التي تقدم للموظف للانحراف من الاعتبارات الوظيفية
فالرجاء:- هو حدث من جانب صاحب المصلحة للاستعطاف الموظف العام لقضاء مصلحته
الوساطة:- هو حدث من جانب الغير للاستعطاف الموظف العام لقضاء حاجة صاحب المصلحة
التوصية:- هو حدث من جانب شخص ذو نفوذ على الموظف العام نفسه بأمر الموظف بقضاء حاجة صاحب المصلحة.
ب_ الاستجابة من جانب الموظف
الاستجابة شرط أساسي لوقوع الجريمة كاملة للأركان بحيث يتعين استجابة الموظف العام للرجاء أو الوساطة أو التوصية.
*** استغلال النفوذ
ذهبت المادة 106 مكرر عقوبات إلى أن كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعد أو عطية لاستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة على أعمال أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو نياشين أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على وظيفته أو خدمة أو أية من أي نوع يعد في حكم المرتشي ويعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 104 من هذا القانون ) إن كان موظفاً عمومياً وبالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتي جنية ولا تزيد على خمسمائة جنية أو بأحدى هاتين العقوبتين.
والجاني لا يستغل نفوذه للقيام بنفسه بالعمل المطلوب وإنما يستغل ذلك النفوذ الحقيقي أو المزعوم لحمل الموظف العام علي قيام بأداء أو الامتناع أو الإخلال بواجبات وظيفته تذرعاً بنفوذه لدى السلطة العامة.
*** الاستفادة من الرشوة
نصت المادة 108 مكرر عقوبات علي معاقبة كل شخص عين لأخذ العطية أو الفائدة أو علم به ووافق عليه المرتشي أو أخذ أو قبل شيئاً من ذلك مع علمه بسبب يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة متساوية بقيمة ما أعطى به أو وعد به وذلك إذا لم يكن قد توسط إلى الرشوة.
فإذا كان المستفيد وسيطاً في الجريمة أو كان على اتفاق مع الراشي والمرتشي للارتكاب الجريمة استفادته منها فأنة يكون شريكاً في الرشوة فعلاً ما قام الوسيط بالإخبار أو الاعتراف المؤدي للأدلة ثابتة مع بينان أركان الجريمة تامة فإن ذلك يعفيه من العقاب على الاشتراك في جريمة الرشوة ولكن لا يعفيه من الاستفادة من الرشوة ويعاقب بمقتضي المادة 108 مكرر أما إذا اقتصر دور المستفيد بحيث لم يتعدى ذلك ولم يكن له أي دور آخر احدث الجريمة من اتفاق أو الوساطة مع علمه بالرشوة فإنما لا يعفيه ذلك من العقوبة المقررة وفقاً لنص المادة 108 مكرر، حيث إنها تعاقب على الاستفادة من جريمة الرشوة بالجريمة
فجريمة الاستفادة مبنية علي جريمة الرشوة فلا بد من وجود قبول بالإخلال بالوظيفة من جانب الموظف أي توافر أركان جريمة الرشوة لكي يتم محاسبة المستفيد عن تلك الاستفادة ويلاحظ أيضاً أن المشرع لم يفرق بين الموظف العام والموظف الخاص فقد ساوى المشرع في تلك الجريمة بينهما لمعاقبة المستفيد ويشترط توافر الجريمة بركنيها المادي والمعنوي.
إذا فشت الرشوة في مجتمع من المجتمعات فلا شك أنه مجتمع فاسد محكوم عليه بالعواقب الوخيمة، وبالهلاك المحقق، لقد تحمل الإنسان الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، والواجب على هذا الإنسان أن يؤدي الأمانة على الوجه الأكمل المطلوب منه لينال بذلك رضا الله تعالى، أما إذا ضيعت الأمانة ففي ذلك فساد المجتمع واختلال نظامه.
وإن من حماية الله تعالى لهذه الأمانة أن حرم على عباده كل ما يكون سببًا لضياعها أو نقصها؛ فحرم الله الرشوة وهي دفع المال للتوصل به إلى باطل، يقول الله تعالي {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقًا من أموال الناس بالإثم وانتم تعلمون عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي)، لقد اقتحمت الرشوة الكثير من الجوانب في المجتمعات المختلفة حتى لم يكد يسلم منها مجال من المجالات،والرشوة تكون في الوظائف أيضًا حيث يقوم الشخص بدفع الرشوة للمسئول عن الوظيفة فيعينه رغم استحقاق غيرة وكذلك تكون الرشوة في التعليم وفي مجالات البناء والتشييد وغيرها من المجالات.
ولرشوة إثارة مدمرة على المجتمع منها** تدمير المبادئ والأخلاق الكريمة إن انتشار ظاهرة الرشوة في مجتمع من المجتمعات يعني تدمير أخلاق أبناء هذا المجتمع وفقدان الثقة بين أبنائه، وانتشار الأخلاقيات السيئة كالتسيب واللامبالاة وفقدان الشعور بالولاء والانتماء وسيطرة روح الإحباط. وأيضا إهدار الأموال وتعريض الأنفس للخطر، فلو تخيلت أن الرشوة قد سادت في مجتمع حتى وصلت إلى قطاع الصحة وإنتاج الدواء فكيف ستكون أحوال الناس الصحية حين يستعملون أدوية رديئة أُجيز استعمالها عن طريق الرشوة؟ ثم تخيل أنك تسير على جسر من الجسور التي بها عيوب جسيمة تجعل منها خطرًا على أرواح الناس وممتلكاتهم، وقد حصل المقاول على شهادات إتمام العمل والبناء عن طريق الرشوة، كم سيترتب على انهيار هذا الجسر من خسائر في الأرواح والأموال وقس على ذلك جميع المجالات لهذا كانت الرشوة إهدارًا للأموال وتعريضًا للأنفس للخطر.
كاتب مصري ودكتور في الحقوق وخبير في القانون العام

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

نبيل البكيري

2024-05-02 00:48:59

النعي المهيب..

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد