ظننت أن للوجع نهاية, وأن للحزن حدوداً, وأن للألم منتهى..ظننت أن دموع المعاناة التي تعيشها دواخلنا ربما تتحجر وتجف منابعها وتكف عن الانحدار يوماً بعد أن تمل من انسكابها..ظننت أنه حينما يبكي الآخرين ويتألمون سنتحسر عليهم ونتوجع لحزنهم وبكائهم.
ظننت أننا كمسلمين عندنا "غيرة" ونخوة وشهامة أكثر من غيرنا وأننا سنقيم الدنيا حينما تحل بإخواننا المسلمين المصائب وتتكالب عليهم المشاكل أو يستعبدهم الآخرون, ويستغلون ضعفهم وقلة حيلتهم وبساطتهم وينكلونهم ويستبيحون دماؤهم ويزهقون أرواحهم التي حرمها الله وصانها.
ظننت أن مشاهد العنف والتعذيب والاستباحة والتنكيل التي يتعرض لها إخواننا في "بورما" لن تمر مرور الكرام ولن نصمت بعدها وسنثور بمجرد مشاهدتنا لها,ورؤيتنا لبشاعتها التي تدمي القلوب وتدمع المقل وتبلد الإحساس وتحيي الضمائر الميتة.
إخواننا في "بورما" تأكل النار أجسادهم وتنهش الكلاب أعضاؤهم وتنتهك الوحشية حرماتهم ونحن لم نحرك ساكناً, ولم تدمع أعيننا ولم تتألم أو تتوجع قلوبنا, لم ننتفض, لم نصرخ, لم نثر, لم نسارع لنخمد النيران التي تحرق أجسادهم, لم نقتل الكلاب التي تنهش أعضائهم, لم نقم الحد على من انتهك عرضهم وحرماتهم, لم تؤثر فينا تلك البشاعة، لم تهزنا تلك الوحشية, لم نلبي النداء ولم نجب الدعاء, لم نهب من مضاجعنا وخدور ضعفنا وخزينا.
هم يصرخون ويتوجعون ونحن نغني ونرقص..هم يبكون ويتألمون ونحن نفرح ونبتهج, أعضاؤهم تباع وأبدانهم تحرق, ودماؤهم تسفك, وكرامتهم تستباح ونساؤهم ترمل وأطفالهم تيتم, ونحن نتلذذ بعذابهم وتطربنا أصوات آهاتهم وتشجينا أناتهم.. ينادوننا ويستنجدون بنا ويستعطفوننا ولكننا لا نسمع، لا نرى لا نشعر.
أذلنا ضعفنا, أخرسنا خزينا, يريدون أن ننقذهم ونحن ننتظر من ينتشلنا من مستنقع ضعفنا, من ذلنا, من هواننا..
ننتظر أن ينتفض صلاح الدين من قبره, أو يبعث المعتصم من تربته كي ينصرنا ويؤازرنا, ننتظر أن ترضى راعية الدمار "أميركا" وتقول كفى, وتدين وتستنكر ونسينا أنها تريد هلاكنا وذلنا وخنوعنا وخضوعنا.
إخواننا في "بورما" يقتلون "أفواجاً "ويحرقون " جماعات" لم نسمع إدانة أو استنكاراً أو سخطاً وكأنهم ليسو بشر ليسو مسلمين..ولو أن كلباً أو حيواناً في العالم العربي والغربي قتل أو خطف لقامت الدنيا وما قعدت, ولثار العالم وخرجوا بحثاً عنه, ولكتب الشعراء فيه ولقالوا عنه ما لم"يقل مالك في الخمر" ولرأيت الناس يذكرون خصاله وخلاله ويتحسرون عن ضياعه أو فقدانه..
إن صمتنا تجاه قضية إخواننا في "بورما" سيظل وصمة عار على جباهنا ما حيينا وذنباً سنؤاخذ عليه لأننا رضينا بذلهم ولم نساندهم في محنتهم...
فهد علي البرشاء
مسلمو بورما.. وصمة عار على جباهنا 2191