لست أعرف معنى لتسامح دولة ذات سيادة كما اليمن التي تعاني من التدخل الإيراني السافر لدرجة غير معقولة ومع ذلك تتعامل الدولة باستحياء شديد إزائها وكأن هذا البلد قد فقد القدرة حتى على الكلام ولو بتواضع.! ولست أعرف أيضا كيف لليمن أن تظل في دوامة التعب القادم من طهران ولا تندد أو تقول شيئا عن هذا القادم الباحث عن فوضى وإقلاق أمن وسكينه .رغم وجود الأدلة القاطعة الحاسمة على تدخل طهران في اليمن بلا حدود ودونما تحفظ حتى .وبتنا نرى ونسمع عن وجود إيراني ممتد دينيا إلى ساحات لم تكن ذات يوم مطلقا تشكل شيئا يذكر في هذا الجانب كما هو الحال في المحافظات الجنوبية التي وجد فيها من المثقفين من يدافع بشراسة عن طهران ويرى فيها القوة التحررية الأولى للقدس وما بعد القدس وهو يعلم أن ذلك ليس صحيحا ولكنها الزيارات المرتبة بدقة إلى الجنوب اللبناني والدخول إلى هناك بطرق المخابرات الإيرانية .ويبدو أن اليمن التي أرهقها هذا التدخل وسالت دماء بسببه وقامت حروب ونزاعات وفوضى وتخريب .يبدو أنها دخلت في حالة من فقد توازنه فلم تعد قادرة على شيء يعيد لها ترتيب أولوياتها السياسية التي ينبغي أن تكون منطلقة من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شئون الآخرين وهو هدف ط ألما اشتغلت عليه اليمن من وحي مبادئ الثورة السبتمبرية والأكتوبرية حتى وهي في أضعف حالاتها ولم نجد تغاضي عن هكذا تدخل كما نراه اليوم متمثلافي التدخل الإيراني السافر والذي تأكد بقوة من خلال الأدلة القاطعة سواء بتهريب السلاح عبر الحدود البحرية اليمنية والقبض على مرا كب محملة أسلحة متنوعةأكدتها الأخبارفي حينها عبر المصادر اليمنية الموثوقة أنها إيرانية .حتى إذا مر زمن بسيط وجدناها وقد اندرجت طي الكتمان ولم تعد شيئا يذكر وكأن الذي جرى لم يجري أو أنه بالونه هواء ،أو بإلقاء القبض على عملاء ثبت ارتهانهم لطهران واشتغالهم على ما يقلق أمن وسكينة البلاد وجرى أيضا بعد الكشف عنهم تجاهل ما قاموا به وكأن الأمر ليس سوى مناورة مع طهران لقبض ثمن ما مقابل تجاهل ما يسيء لدولة ذات سيادة .أو من خلال العميل بدرجة الخيانة العظمى ( سالم البيض) والذي أكد صراحة ترحيبه بدعم طهران لحراكه المعباء بالبارود وبأيديولوجيا طمس هوية وطن باسم الجنوب العربي كما تريد طهران ذلك وتعمل من أجله وتمضي في مخططاتها على هذا الأساس وتمول مايطلق عليه (فك الإرتباط) وليس الانفصال وكأنه تاريخيا لا يوجد أي علاقة بين الجنوب والشمال ولا يتقاربان في شيء لا جغرافياً ولا حضارياً. وتحت ما يسمى (فك الارتباط)يندرج مخطط التفتيت للوطن على أساس طائفي ومناطقي بما يسمح بتمرير مخطط العنف والدمار ،وكنا نقبل لو أن أولئك القادمين من طهران اعترفوا حتى بهوية وطن وطالبوا بانفصال الجنوب عن الشمال دونما التنكر للهوية الحضارية وللتاريخ .ولكنها طهران تزرع أيديولوجيا الفرقة بقوة وبمكر يجيده الأذناب مع الأسف الشديد لنجد حراكا وقوده البسطاء يذهب إلى ما يريدونه في (قم )فك الارتباط ومسمى جنوب عربي ،هكذا الآيات الإيرانية تشتغل وتروج للوقيعة ويتعزز كل ذلك بتمويل قوى النخاسة وبائعي الضمير ليكونوا مصدر الشر من مواقع البؤس الشديد وتكون طهران قد أحدثت شرخا في التاريخ وطمست روحا وصنعت ما يفضي إلى فرز عنيف لكل ما يشكل هوية وطن وأوجدت التباين من العدم على أساس مناطقي سيء وطائفي مقيت نجده اليوم يقدم نفسه بقوة من خلال قناة (عدن لايف)التي يشرف عليها خبراء من قناة المنار ومناطقيون وطائفيون يتقاضون مرتبات عالية ليحدثوا خرقا في جدار وطن وصدعا في مسار تاريخ اليمن بغض النظر عن الوحدة أو الانفصال فالأمر بالنسبة لي يقرره المواطن في الجنوب دونما إملااءات وصناعة سياسية تقوم على العمالة والإرتزاق .وفي كل الأحوال تبقى طهران واشتغالها على البوابة الجنوبية للجزيرة العربية (اليمن) تقلق وطن وتنشر وباء العنف والطائفية بإسراف شديد وبأدلة موثقة ربما كان آخرها القبض على مجموعة استخباراتية اشتغلت زمنا غير قصير ومع هذا الخبر لم نجد دولة ذات سيادة تستنكر وتدين وترفض بشدة هذه الرعونة الإيرانية وتقف بصلابة أمام التدخلات السافرة التي لا تعد وصارت سلوكا يوميا نراه ونلمسه ونجده لدى قوى هي اليوم تقدم نفسها بيقين أنها تابعة لطهران وتفخر بهذا وتراه من موجبات الكرامة الوطنية على اليمن أن تقع تحت طائلة السياسة الإيرانية ونرى زيارات ومقابلات وتوجهات وسفر قاصدا إلى طهران ومع ذلك من يجرؤ على الكلام ؟ومن يطالب طهران أن تكف عن سياستها التي تؤذي وطنا وتعكر حياة ،؟لاشيء يتم سوى ذلك الاختباء لدرجة تجعلنا فعلا نضع علامة استفهام كبيرة أمام هذا التغاضي عن طهران وسياستها الممنهجة على الأرض اليمنية وندخل هواجس ربما تصل إلى التشكيك في مواقع القرار السيادي من أن ثمة مقايضة هذا بذاك ليغدو الجميع هم (علي سالم البيض) مع فارق درجة الوضوح .وإلا لما الاحتجاج على حياء ؟ولما لا تقطع علاقة لأخير يرتجى منها على الأقل مؤقتا لنشعر أننافي وطن ذات سيادة نمتلك القرار .ولو أن دولة لاقت ما تلاقيه اليمن من طهران وسياستها التي تشعل حروبا وتفضي إلى فتن لما بقت هذه العلاقة الضنكاء ساعة واحدة .لكنه موروث التخاذل الذي أجاده وفاوض عليه وصنعه بدقة واشتغل على تنميته النظام السابق الذي كانت رهاناته أضرب هذا بذاك واستغل هذا بذاك وهدد طهران بالخليج والخليج والسعودية بطهران ومن يقدم السخاء يجد له العذر .والواقع أن التغيير اليوم يفرض نهجا آخر وسياسة وطنية رشيدة حازمة تعي مصلحة الوطن العليا وتعمل من أجلها وتنطلق منها. وهو بالفعل ما يؤدي إلى الصرامة في العلاقات رفضا لأي تدخل دأبت عليه طهران في الجنوب من خلال الحراك (فك الإرتباط )أو الشمال من خلال الحوثية فكلا الأمرين يؤديان إلى معنى واحد وطن مفتت وفوضى كمنطلق للوصول إلى السعودية والخليج .هذا أمر لابد من الوعي به والتعامل معه بقوة السيادة الوطنية حتى لا يكون التمادي لمرجعيات (قم) خطراً ماحقاً لا عاصم من رده وقبل الفوات. فهل نجد الموقف الصارم والمبدئي من قيادتنا السياسية الحالية بما لها من وعي عميق بممكنات التحول إلى ما يحقق طموحات وطن وثورة تغيير؟ مجرد تساؤل نطمح أن نرى بعض الإجابة عليه لنشعر بمعنى السيادة الوطنية وقوة الضمير.
محمد اللوزي
التدخل الإيراني وسيادة اليمن 2272