ذهب رمضان بنوره وألقه وروحانيته, والقلوب المؤمنة تشيعه بحنين المحب المودع, والأعين الباكية من الخشوع، ترقب انقشاع أيامه وهي مليئة بدموع العاشق المولع!.
فهل إن نطق رمضان وأفصح عن انطباعه سيبادلنا الشعور ذاته؟
ترى ماذا سيقول عنا رمضان؟
وهل غادرنا شاهداً لنا أم شاهداً علينا؟؟
ترى هل تزودنا منه بما يكفي من طاقة التقوى؟
عله فرضية صيام رمضان الأولى هي اكتساب المسلم لطاقة التقوى والتي تمنحه القدرة على كبح جماح نفسه ومغالبة هواه والوقوف عند حدود الله، فكم تزودنا من هذه الطاقة الربانية في رمضاننا هذا؟
بعض الناس يجتهدون في استشعار عظمة شعيرة الصيام مما يمكنهم من القيام بحقها على الوجه الأكمل ويمنحهم طاقة تقوى تكفيهم لعامهم كله حتى يعود رمضان الآخر، فتراهم وقافين عند حدود الله, متورعون عن الحرام, رحماء بالخلق.. ومنهم مقتصد.
ومنهم ظالم لنفسه، قد اختار لها طريق الشقاوة ,فهو لم يفتح قلبه قط للتزود ولو بقطرة تقوى واحدة, صيامه وقيامه لم يتجاوز الشارات.. ولربما أنه دأب على مقارفة الذنوب والمعاصي في قلب رمضان!!
التقوى معنى لطيف حار في وصفه العلماء والأدباء والعباد ,فهو طاقة خفية المعلم جلية الأثر, تحجز صاحبها عن ظلم نفسه وظلم الناس.
ومن المفارقات البديعة والتي يجدر بكل مسلم الوقوف ملياً معها أن أكثر موضع تكرر فيه ذكر التقوى والأمر بها في القرآن الكريم هو سورة الطلاق, برغم قصرها!!
وفي السنة الشريفة تكرر الأمر النبوي بالتقوى في الأوامر التي يحث فيها "صلى الله عليه وسلم" المسلم بالإحسان لأهل بيته كنحو قوله: "اتقوا الله في النساء.. اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم.. الخ"
ذلك لأنه عندما يتفشى الظلم في إطار الولاية الصغرى في خلية الأسرة ويتسلط رب الأسرة على ضعفائها فلا عجب أن تتكرر الصورة بشكل أفظع في الولايات الأكبر!
عندما يبتلع الطرف القوى في منظومة الأسرة حقوق الطرف الأضعف فلا عجب أن يبتلع رئيسه في العمل والأقوى منه في منظومة المجتمع حقوقه..
قلة من يتنبه بأن الظلم يصنع في بيوتنا, وأن الهزيمة مبدؤها من ظلم قوينا لضعيفنا في نطاق الأسرة!!
قال "صلى الله عليه وسلم ": وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟!
كم شهدنا في أيام رمضان من مظالم سودت عيش الأسرة من سلوك رب الأسرة الظالم, المفرط بواجباته تجاه رعيته؟
وكم شهدنا حالات طلاق في رمضان حاف فيها الرجل على المرأة التي لا حول لها ولاقوه! وكم نال الزوجة والأبناء الضرب والشتم والإهانة من الوالد خلال رمضان وحتى في أيام العيد وجدنا من يضرب زوجته أمام صغاره ليقتل فرحة العيد في قلوبهم ويئد الابتسامة على شفاههم!!
وكمن قاطع لرحمه في رمضان وفي العيد, فلا سلام ولا كلام ولا صلة ولا تهنئة بهذا العيد!!
فأين تقوى الله في قلوب هؤلاء؟
أين تقوى الله في ضعفائنا؟
وبعد كل هذا نتساءل: لماذا ندعو طوال رمضان ولا يستجاب لنا؟ لماذا يقهرنا أمراؤنا؟
لماذا يستذلنا أعداؤنا؟
لماذا يذيق الله بعضنا بأس بعض؟
"قل هو من عند أنفسكم"
نبيلة الوليدي
الطاقة الخفية!! 2010