;
د. عادل عامر
د. عادل عامر

الجيوش العربية بين السياسة و الربيع العربي 2620

2012-08-27 23:54:33


الجيش في كل من تونس ومصر حسم الموقف لصالح قوى التغيير، في هذا يمكن اعتبار الجيش في مصر وفي تونس جزءاً من قوى الثورة، لكن الجيش في كلا البلدين جزء من النظام القديم في الوقت نفسه. في كلا البلدين انقلب الجيش على النظام القديم في لحظة تاريخية وساهم في إنقاذ كل من تونس ومصر من مجزرة وكارثة وطنية، أما الجيوش في كل من اليمن وليبيا وسورية فلها أدوار مختلفة، ففي ليبيا، تحوَّل الأمر إلى مواجهة عسكرية، حيث قام الجيش وقواته بتصفية الكثير من المتظاهرين، مما دفع قطاعات من الجيش للانضمام إلى الثوار، ففي ليبيا وقعت سلسلة انشقاقات في صفوف الجيش (إن صحت التسمية) بينما بقيت قطاعات رئيسية منه مع القذافي وأبنائه إلى أن حسم الوضع بفضل تدخل دولي وقتال قادته المعارضة الليبية.
وفي اليمن، وقع توازن بين قطاعات من الجيش المؤيدة للرئيس السابق/ علي عبدالله صالح وأخرى مؤيدة للثورة، وقد حشدت الثورة ملايين الناس في محاولة لحسم الموقف، ورغم ذلك مازالت القطاعات العسكرية حول صالح مصرّة على بقائه.
 إن التوازن في اليمن لم يحسم رغم تقدم المعارضة على أصعدة كثيرة ورغم عدالة قضيتها ومطالبها وتضحياتها، أما في سورية، فالشعب السوري يقاتل وحيداً في معركة يستخدم فيها الجيش السوري قدراته النارية لقتل المعارضين والمتظاهرين السلميين. وبينما يزداد الجيش السوري بطشاً، تزداد الانشقاقات في صفوفه من قبل الرافضين لهذا البطش، هذا قد يؤدي مع الوقت إلى بناء جيش بديل يتولى مهمة الدفاع عن الشعب السوري. في كل مكان، في ظل الربيع العربي، نجد اختلافاً في ردود الفعل على التعامل الأمني مع المتظاهرين، وذلك حسب طبيعة النظام السياسي وطبيعة الجيش والمجتمع، ففي المجتمعين المصري والتونسي الأكثر تجانساً، بحكم تكون الطبقة العاملة والاتحادات والمجتمعات المدنية، من الصعب زج الجيش في الحرب والقتال ضد الشعب، فالتكوين النفسي للجيش المصري مرتبط بكونه انعكاساً للمجتمع، فهو جيش وطني مثله في هذا مثل الجيش التونسي، لا يقوى على مواجهة شعبه، بحكم ارتباط قادته بمهمته التاريخية وهي حماية الوطن والحدود.
وبينما الجيش العربي السوري ذو التاريخ القديم جيش وطني، إلا أنه مر بتحولات كثيرة، من أهمها تسييسه بصورة كبيرة وهدم روحه الاحترافية في ظل حكم حزب البعث منذ ستينات القرن العشرين. الجيش السوري أصبح ملاذاً لطائفة علوية كانت مهمشة قبل انقلاب الأسد عام ١٩٧٠، ثم تعزز هذا الملاذ في زمن الرئيس السابق حافظ الأسد عبر تهميش طوائف أخرى، من أهمها الطائفة السنية التي تمثل أغلبية السوريين، وقد أدى هذا الوضع إلى إضعاف الجيش السوري وجعله أكثر ارتباطاً بتوجهات عائلة الأسد، إن قتال الجيوش ضد الشعوب مدمر للجيوش ولقدراتها الوطنية، وهو في النهاية مدمر للنسيج الوطني.
هذا ما أمكن تفاديه في مصر وتونس ولم يتم تفاديه في سورية وليبيا واليمن. «عندما تتشكل الجيوش في ظل الخوف من الآخرين من أبناء الوطن، أكانوا أغلبيات أو أقليات ستفقد هذه الجيوش حتماً الروح الوطنية» وعندما تتشكل الجيوش في ظل الخوف من الآخرين من أبناء الوطن، أكانوا أغلبيات أو أقليات ستفقد هذه الجيوش حتماً الروح الوطنية. من هنا، يتحول الجيش إلى قوة تحمي نظاماً وفئة أو قبيلة أو طائفة وليس بالضرورة الوطن والأرض والمستقبل.
 إن الجيوش الخائفة تتحول مع الوقت إلى حالة من الكراهية لفئات رئيسية في المجتمع، مما يخلق نظرة مشوهة لدورها في الحماية الوطنية. لهذا، فالقول إن الجيش السوري جيش عقائدي فيه الكثير من المبالغة، فحزب البعث في سورية سقط منذ أن أصبح الحكم السوري وراثياً عائلياً، تماماً كما سقط الحزب نفسه في العراق في ظل سيطرة أقلية عائلية سنية على أغلبية شيعية وأقلية كردية غير عربية. لقد استمرت حالة الخوف من كل شيء ومن معظم الشعب متحكمة بالوضع السوري، إلى أن وقعت الثورة السورية في شهر مارس مطالبة بتغيير قواعد الوطن والوطنية، لهذا، يعيش الجيش السوري حالة انشقاق نفسي ومعنوي وأخلاقي وضميري تنعكس على حالات تمرد وانسحاب وهروب من الجيش باتجاه مناطق أخرى.
 إن علاقة الجيش بالثورة في سورية سوف تتطلب حتماً ملاذاً آمناً للعناصر المنشقة عن الجيش السوري، وفي هذه الحالة ستكون عملية بناء جيش بديل عن الجيش الراهن عملية ضرورية. تنصرف المهمة الرئيسية للقوات المسلحة أساساً إلى حماية الدولة، براً وبحراً وجواً، ضد العدائيات الخارجية، كما تسهم في حماية الشرعية الدستورية الداخلية للدولة ومكتسبات الشعب، فيما يزيد على طاقة الشرطة المدنية، في حالة عدم وجود قوات حرس وطني (National Guard) وفي إدارة الأزمات، خاصة في حالة الكوارث الطبيعية والحوادث الكبيرة. ولكن لابد أن يعرف الجميع أن طبيعة تنظيم وتسليح القوات المسلحة -والمتناسب مع مهامها القتالية الرئيسية في ميدان القتال، براً وبحراً وجواً- لا تسمح لها بأن تقوم بالأعمال والمهام الشرطية البوليسية، أو بمهام قوات فض الشغب، وإذا اضطرت لذلك، فإنه يكون لفترات محدودة.
 أما في حالة زيادة هذه الفترات إلى أكثر من عام -في بعض الدول- فإنه ينتج عنه إشكاليات متعددة، سواء في الشارع، أو التأثير السلبي في جبهات القتال، أو اشتراك قياداتها في إدارة سياسية، بعيدة نسبياً عن خبراتها التراكمية النوعية الأصلية، وما لذلك من آثار وإشكاليات، داخلية وإقليمية ودولية، تنصرف المهمة الرئيسية للقوات المسلحة أساساً إلى حماية الدولة، براً وبحراً وجواً، ضد العدائيات الخارجية، كما تسهم في حماية الشرعية الدستورية الداخلية للدولة ومكتسبات الشعب، فيما يزيد على طاقة الشرطة المدنية، في حالة عدم وجود قوات حرس وطني (National Guard) وفي إدارة الأزمات، خاصة في حالة الكوارث الطبيعية والحوادث الكبيرة، ولكن لابد أن يعرف الجميع أن طبيعة تنظيم وتسليح القوات المسلحة -والمتناسب مع مهامها القتالية الرئيسية في ميدان القتال، براً وبحراً وجواً- لا تسمح لها بأن تقوم بالأعمال والمهام الشرطية البوليسية، أو بمهام قوات فض الشغب. وإذا اضطرت لذلك، فإنه يكون لفترات محدودة.
أما في حالة زيادة هذه الفترات إلى أكثر من عام -في بعض الدول- فإنه ينتج عنه إشكاليات متعددة، سواء في الشارع، أو التأثير السلبي في جبهات القتال، أو اشتراك قياداتها في إدارة سياسية، بعيدة نسبياً عن خبراتها التراكمية النوعية الأصلية، وما لذلك من آثار وإشكاليات، داخلية وإقليمية ودولية.
ولتحليل واستكمال ما سبق من تقديم، سنتناول التحديات التي واجهت القوات المسلحة في مراحل ما بعد الثورات بشيء من التفصيل في النقاط التالية: القوات المسلحة والأمن القومي، الميزانيات العسكرية في عصر التقشف، المعونات العسكرية الخارجية، الجيوش والتنمية العسكرية والسياسية، العلاقات الخارجية بعد تغير نظم الحكم، الجيوش وحكومات التيار الديني، إعادة بناء وتأهيل الجيوش بعد صدامات الشارع. أما في بقية الدول العربية، وعلى الأخص في الدول الملكية، فالعلاقة مع الجيوش مرت بمراحل، وهي تبدو ساكنة في ظل الربيع العربي، فكما يبدو على السطح، يبدو أن الجيوش في تلك البلدان تخضع لشرعية السياسيين، وهذا يعني أنها تقبل بشرعية الأسر الحاكمة، والجيوش لم تكن أساسية في تشكيل الدول الملكية، ففي السعودية كان الأساس مرتبطاً بأسرة آل سعود، وفي الكويت بأسرة الصباح، وفي الأردن بالهاشميين.
إن أجنحة من الأسر الحاكمة في دول مجلس التعاون بالتحديد، بإمكانها أن تلعب دور الجيوش في الدول الجمهورية، فللأسر الحاكمة شرعية تاريخية، تضعف وتقوى.
 هذا الإجماع على الشرعية الملكية حدَّد دور الجيوش. الأسر الحاكمة في دول مجلس التعاون لم تكن بحاجة إلى شراكة مع الجيش لتقوّي شرعيتها وتحافظ عليها، وقد ساهم النفط وحالة التوزيع والرفاه الذي نتج عنه في تعزيز هذا الوضع. ومع ذلك، لا يشترط أن تبقى هذه المعادلات، في ظل تحديث الجيوش وزيادة ميزانياتها وتطور الحراك الشعبي المحلي، في مكانها، فالبحرين على سبيل المثال مثَّلت حالة جديدة أصابها التوتر في ثالوث العلاقة بين الجيش والشعب والنظام. وهناك من جهة أخرى دور للجيوش في بلدان كالأردن والمغرب، وقد عُرف عن الجيوش هناك مشاركتها بانقلابات كبرى خاصة في الستينات والسبعينات من القرن العشرين. ويجب أن نلاحظ أن الجيوش في الدول العربية عموماً، وخاصة بعد موجة الانقلابات العسكرية قد جرى تهميشها بصورة كبيرة لصالح الأمن والاستخبارات والأجهزة، وهذا يعني امتلاك الجيوش لدور أقل على كل صعيد، نسبة إلى الأجهزة الأمنية وتأثيرها.
لكننا في مرحلة مفاجآت، فالجيش المصري المهمش نسبة إلى الأمن والاستخبارات استطاع تفعيل دوره في لحظة تاريخية، لهذا نستنتج بأنه لم يعد هناك من ضمان للأنظمة في علاقتها بالجيوش وحتما بالشعوب، سوى السعي للإصلاح العميق والتحاور مع القوى المختلفة والمعارضة في سبيل بناء حياة سياسية ديمقراطية تكون إحدى نتائجها إبقاء الجيوش في ثكناتها. لقد غيّر الربيع العربي وضع الشعوب، لكنه أيضاً غير موضع الجيوش في المعادلة العربية. الربيع أبرز دوراً جديداً لقوى جماهيرية لم تكن فاعلة حتى الأمس القريب، الربيع العربي يعكس تفجر السياسة على المستوى الشعبي بينما يدفع بلا توقف بجيل جديد يطالب بدور وحقوق وعلاقات جديدة بين الحاكم والمحكوم وبين العسكريين والسياسيين، نمر في مخاض كبير يتجاوز لعبة الشطرنج التي تحكم علاقة السياسيين بالجــيوش، إننا نشهد الآن تغيراً كبـيراً يساهم في تأسيس قواعد جديدة للعبة.

× كاتب مصري دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد