ارتباط الإنسان بوطنه وبلده، مسألة متأصلة في النفس، فهو مسقط الرأس، ومستقر الحياة، ومكان العبادة، ومحل المال والعرض، ومكان الشرف، على أرضه يحيا، ومن خيراته يعيش، ومن مائه يرتوي، وكرامته من كرامته، وعزته من عزته، به يُعرف، وعنه يدافع، والوطن نعمة من الله على الفرد والمجتمع، ومحبة الوطن طبيعة طبع الله النفوس عليها، ولا يخرج الإنسان من وطنه إلا إذا اضطر إلى ذلك.
وقد أودع الله في أعماق الإنسان حب الوطن، وأعلى من شأن الانتماء الحقيقي له، ودعا الناس أن يتعاونوا على البر والتقوى، ويبعدوا عن حياتهم شبح التنازع والاختلاف المذموم ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾، ويجسروا العلاقات التي تربط وتجمع ضمن دائرة الجوامع المشتركة التي يلتقي عليها وحولها كل غيور على دينه ووطنه وأمته، ويهدموا كل فكر ومعتقد وتوجه في عقول فئة ابتعدت في نظرتها وتطلعاتها عن مصالح الأمة، وجثمت هذه الأفكار - التي لا تمت إلى عقيدة وخلق وقيم الأمة بصلة- على صدر فئات متعددة حتى أماتت الروح الوطنية عند كثير من الناس، وأصبح الوطن معبراً لمصالح شخصية يتقاسمها الجاحدون من وراء الكواليس المظلمة.
يتصور بعض الناس - من المثقفين وقادة الفكر- أن الوطن والوطنية قوالب فارغة من الروح، لا علاقة لها بالدين والأخلاق، ومن يظن ذلك فهو لا يزال في ظلمة الفكر، وخطأ التصور والاعتقاد.
إنّ الوطن والوطنية والمواطنة الصالحة جزء من عقيدة الأمة، وكلما ازداد الإنسان تمسكاً بدين الله ازداد ولاء وانتماء ومحبة لوطنه وترسخت معالم الوطنية الصادقة في نفسه وعقله، حتى تصبح الهم والشغل الشاغل للإنسان الحر الأبي الذي يقدس محبة الوطن ولا يساوم عليها، وخير أسوة الرسول الكريم.
عندما توجه إلى المدينة المنورة مهاجراً نظر إلى مكة المكرمة وقال: (والله إنك أحب البقاع إلىِّ ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت)، لقد جَسدَّ الرسول هذه الوطنية الشامخة لبلده محبة واعتزازاً، خلقاً ومنهجاً، أما الذين ينوحون في الظلام فلن تدور الدائرة إلا عليهم.
الوطنية والمواطنة الصالحة حرص على البناء المثمر، عمل دؤوب لرعاية مصالح الوطن والمواطن، قهر للنفس الأمارة بالسوء، حتى تستعلي بكرامتها على هواجس الظن والوقيعة والخراب، الوطنية كما يفهمها الشرفاء إذا رافقها الإخلاص فإنها تسيج الوطن بسياج من النبل والعطاء المستمر، فلا يتقاعس أحد عن خدمة هذا الوطن، وتغدو حياة الناس كخلية النحل التي تمد المواطن بالشفاء من كل داء يعانيه، فلا يستطيع أهل العبث والاستهتار، النيل من مكتسبات الأمة، ولا يرفع الفاسدون رؤوسهم لاقتناص وسرقة لقمة طعام المواطن الشريف، ولا يستبد أهل الرأي بآرائهم ما دام في الحوار الهادف فسحة للوصول إلى الحقيقة، ولا يقصر المسؤول عن تلبية حاجة المواطنين الشرفاء المخلصين في عملهم، ولا تعطى فرصة لمسؤول أو غير مسؤول أن يجند الشللية والمحسوبية لحيازة المناصب أو تسويق عبارات الثناء والتمجيد والتحميد لمن لا يستحقها.
فمعيار المواطنة الصالحة الصدق والأمانة والتسامح والإنسانية الرفيعة بأبهى صورها، والعمل المتواصل المثمر لبناء صرح الوطن والمحافظة عليه قولاً وعملاً وممارسة، فمن الواجب على كل مواطن حر يعيش على تراب يمننا الغالي ، ويستظل تحت سمائها ، ويشرب من مائها، أن يكون حريصاً كل الحرص على المحافظة على هذا الوطن ، ليس بالقول فقط وإنما قولاً وفعلاً فقد سئمنا الأقوال الكثيرة وما نريده هو العمل الحقيقي للنمو بهذا الوطن.
وطني بنيتك في خيالي فارساً بين الأشاوس حاكماً وأمــــــيرا
وطني رأيتك في منامي نجمة يبدو سناها للبـــــــرية نــــــورا
وطني مكانك في عيوني ومضة إني أراها في الظلام بـــــــدورا
رائد محمد سيف
الوطنية والمواطنة الصالحة!! 2710