قال لي صديقي ضاحكاً: الرئيس السابق صالح ظهر في التلفزيون وهو يصافح طابوراً من معايديه وكأنه مازال رئيساً للجمهورية، اعتقدت أن صديقي رأى مشهداً سابقاً بثته قناة تليفزيون ضمن برنامج وثائقي أو ما شابه، لكنني وحين أيقنت أن المسألة لم تكن مزحة أو من أرشيف قديم؛ بل نقل حي وأثير عبر فضائية قائد الحرس الجمهوري نجل الرئيس السابق قناة (اليمن اليوم).
بعد أن أيقنت بأن مثل هذا التصرف الغريب قد شاهده الكثير قلت لصديقي مازحاً: أعذرني يا صاحب إذا ما قلت أن مثل هذه التصرفات لا يمكن أن تصدر إلا من شخص غير سوي وطبيعي، وعليه فإنني كصحافي وأدعي – أيضاً – بمعرفتي وقدرتي على التحليل والتنظير والتعزير والفلسفة السياسية والصحافية؛ أعترف لك يا صديقي - اعتاد يسألني وكله ثقة بجهينة التي عندها الخبر اليقين- بأنني مثلهم أشعر بالعجز والحيرة معاً نحو تصرفات صالح في الآونة الأخيرة .
فالجهة الوحيدة التي تملك الإجابة الصحيحة والشافية؛ هم المختصون النفسيون الذين يمكنهم تفسير وتبرير ظهوره وكأنه مازال رئيساً للبلاد ، إنها حالة مرضية وهذا ما أستطيع قوله الآن، أما كيف ولماذا يفعل الرئيس المخلوع كل ما فعله وسيفعله ؟ وما تفسير خطبه ولقاءاته وحشوده وحتى وقفته أمام عدسات كاميرا قناة اليمن اليوم فيما طابور طويل عليه مصافحة فخامته على وقع موسيقى صادحة مكررة ؟ ما خطورة هذه التصرفات الغريبة ؟ فهذه أسئلة وإجاباته لدى الأطباء النفسانيين لا السياسيين أو الصحافيين .
الواقع أن ممارسات الرئيس السابق لم يعد لها تفسيراً في علم السياسة والإعلام والصحافة ، فتفسير وفهم أفعال صالح هو من اختصاص الجهة المعنية بفهم وتشخيص وعلاج وإدراك ماهية النتائج الخطيرة المترتبة عن هكذا حالات مرضية نفسية طالما ظلت مستترة ومخفية بحكم المركز الرفيع الذي شغله صاحبها .
ثلاثة عقود ونيف والرجل يتحكم بكل مقدرات البلاد وعلى هذه الشاكلة العبثية الفوضوية المزاجية التي نستغربها عليه اليوم، فما نعده الآن غريباً وعجيبا ومستفزاً؛ لم يكن إلا إدراك وفهم متأخر لحالة مرضية مزمنة قلما بقت تصرفاتها وأفعالها بعيدة عن أنظار عامة الشعب ، لذا كثير ما تسمع المواطن العادي قائلاً: الرئيس صالح فقد عقله وحكمته، إنه شخص مجنون ويعاني من اضطرابات نفسية وسلوكية وذهنية وفكرية لم تكتشف سوى في الحاضر وبعد أن غادر الرئاسة ومسرح الأضواء.
شخصياً أنصح قيادات المؤتمر الشعبي المستميتة خلف رئاسة علي عبدالله صالح لتنظيم مرشح للموت أكثر من كونه مؤهلاً لحياة ثانية؛ لأن لا ترهن مستقبلها السياسي والحزبي باستمرار وبقاء هذه الصورة الزائفة المضللة المخيفة المضطربة؛ ولأن يدركوا حقيقة واحدة من التاريخ المليء بالعبر والتجارب المؤكدة باستحالة إعادة التاريخ للوراء، فالتاريخ وفق منطق ماركس قد يعيد نفسه إما على شاكلة حدث أو مهزلة ، ففي كل الأحوال التاريخ عجلته تمضي إلى الأمام ولن تتوقف لحظة أو تعود للخلف .
فما من رئيس جمهورية خلعه شعبه بثورة شعبية وتضحيات وقرابين؛ ومن ثم يبقى رئيساً لتنظيم سياسي أيا كانت عقيدته وقواعده وممتلكاته، فإذا كان رؤساء الأحزاب يتركون رئاسة أحزابهم فور إخفاق وفشل رئيسه من الفوز في انتخابات البرلمان أو الرئاسة؛ فكيف لمن بقى في الرئاسة ثلاثة وثلاثين سنة وتم إقصاؤه بثورة عارمة غير مسبوقة في أية عصر؟.
قبل أشهر كانت الصحافة قد نشرت نصائح الخبراء الأمريكيين المقربين من دائرة الحكم، لقد حذروا أقربائه من عاقبة التصرفات الغريبة التي باتت مصدر قلق وانزعاج للمحيطين بالرئيس صالح.
أحد هؤلاء الأصدقاء الأمريكيين كان قد حذر أقرباء صالح من خطورة تركه لحاله، إذ نصحهم بالتظاهر بأنه مازال رئيساً ولو من خلال مرافقته إلى مبنى اللجنة الدائمة أو جامع الصالح أو غيرها من مظاهر الاستقبال لحشود الزائرين والمتظاهرين أو اللقاءات التليفزيونية أو بقاء حرسه وموكبه المرافق له، فكل هذه المظاهر الزائفة يمكنها وفق نصائح المختصين أن تحد مؤقتاً من نتائج كارثية ومدمرة في حال ترك الرئيس السابق وحده دونما شعور بثمة أهمية لكلامه وتوجيهاته .
محمد علي محسن
منتهى العبث خراب وجنون!! 2596