أمام جموعه التي احتفت به وتناست الشعبي العام وتغنت بحضوره وطلعته وغيبت ما يجب عمله واحتفت بما يسره ويدغدغ عواطفه ويمنحه الزعامة ولو ساعة زمن وأمام متابعي احتفائية الزعيم واتخاذه من 30عاماً على التأسيس فرصة لإحياء خامل الوقت لديه بتشنيف آذانه بكلمات افتقدها كثيراً ويحتاجها في أحلك الوقت.. أمام كل هذا الملتهب حماساً له.
لم يتمالك الزعيم نفسه ليعلن من جديد افتراءً أنه (تنازل عن الكرسي طواعية ليحقن دماء اليمنيين) هكذا قال فاشتعلت الصالة بـ (الدم بالروح نفديك يا علي) وعلى الوطن السلام ما بقي التمجيد والتزلف وحالة استخذاء الزعيم للمديح وإن برهة من الزمن..
ولعل المضحك المبكي في كل هذا أن نجده فعلا يعيش تداعيات الزعيم وما تبقى من كرسي كان .فيطلق زعمه بتنحيه طواعية على مرأى ومسمع من الحاضرين الذين وصل بهم الحال إلى (الجذبة )ولم يبقى غير الدخول في (الزار )ومدددددددددددد يا علياه .وما لم يفقهه البعض أن الرحيل عن السلطة كان بفعل عظمة الساحات ،بسقوط الشهداء وآلاف الجرحى ،بوجود الجيش الحر الذي تخندق لحماية وطن وثورة وفعل تغيير وقام بواجبه الوطني في حماية الساحة وترك الفعل الديمقراطي الحر يعبر عن نفسه في رفض الاستبداد. وبفعل تدخل دول المنطقة والمبادرة الخليجية والإجماع الدولي والضغوطات الأممية على الزعيم بترك الكرسي والمغادرة أو تطبيق عقوبات التجميد للمال الذي أرهقته حمولته وتحول من مكسب إلى عبء، ومن غنى إلى فقر نفسي، ومن حالة بذخ إلى تشبث به .هكذا رحل الزعيم بإرادة جماهير وتطلعات وطن، وليس برغبته ولا مراعاة للأمن والاستقرار الذي جعله مفقودا تماما دون أن يعير الوطني اهتماماً .حين رأينا القلقل في الأزقة والحارات وانعدم الأمن وشاخت الحياة وأكفهرت المساءات وصار الرصاص ذخيرته في إطلاق التهديد والوعيد على شعب أراد الحياة .هكذا وجدنا وطناً خالياً من السلام حين قيل للزعيم أرحل وخالياً من الجمال حين شعر بدنو الرحيل إلى غير رجعة .فمن أين له إذا هذه الحميمية والروح الطيبة والبعد الإنساني والشفقة ؟ليعلن دونما احترام لمشاعر محبيه إنه ترك السلطة والحكم طواعية .وأي طواعية هي التي رأينا منها الخوف رابضاً على كل الوطن وحالات النزيف الأحمر يومياً على الساحات والشهداء يسقطون في المسيرات وزبانية الموت والظلم يتربصون بالأبرياء !!.أي طواعية وقد جعل الوطن يعم أرجائه الظلام فلامياه ولا كهرباء ولا أمن في الطرقات والتقطع والنهب سيد المرحلة والناطق الرسمي باسم النظام الذي أراد اغتيال وطناً حين حاول الزج بالقوى الوطنية في صراعات فشل في إدارتها بفعل اليقظة وقوة الانتماء إلى فعل التغيير!! .وأي معنى غير بريء يجود به النظام اليوم في محاولة تلفيقية أنه غادر ورحل بفعل قناعاته وإيمانه بالوطن وضرورة التغيير !! جثم على صدر الشعب 33عاماً كلها مصادرة حقوق وتمتع أقلية ومجاملات ومحسوبية وأقرباء وأصحاب وماون ذلك ليس مهماً. ومن يقنع الزعيم بما يذهب إليه ونحن نعرف والجماهير قاطبة تعرف أن رحيله كان بفعل قوة الساحات وثورة الأبطال الميامين في الجيش الحر الذين تصدوا للمؤامرة وأجهضوا أي محاولة للنيل من الأحرار في الساحات .وإذاً المسألة ليست قناعات احتلت الزعيم الممجد في أن يرحل ولوفعلها قبل الساحات لكنا ربما تركنا العذر يتدحرج حتى إلينا، لكننا نعلم إنه ناور طويلاً وقامر طويلاً وتعذر كثيراً بالصندوق والديمقراطية وضرورة أن يكون زعيماً حتى نهاية مرحلته الانتخابية وحار ودار في هذا كثيراً ومضى إلى حيث القهر للوطن ولعلعة الرصاص وهدير المجنزرات حين عاد من رحلته العلاجية وكان كل شيء حينها غير جلي ومخيف وبؤس هو من أنجزه وأراد أن يلقن وطناً درساً قاسياً لمجرد أنه أراد التغيير .فكيف إذاً يمكن أن يقنع أحداً بمغادرته طواعية! وقد سالت دماء وارتبكت حياة وخرجت جحافل شعب ومورست ضغوطات أممية كي لا يبقى سلطوياً؟ كيف لنا أن نأتي إلى كلام يريد أن يزيف حقيقة ويغالط تاريخاً ويتلاعب بمشاعر ويهجم على ثورة اقتدرت على اقتلاع نظامه ومازالت تحفل بالتغيير وتنتسب إليه وتراهن عليه !!.
والتاريخ وحده من سيتكلم كيف تم الرحيل وأسبابه والقوى الوطنية التي أنجزت الفعل الثوري الخلاق .وحده التاريخ وليس منصة الزعيم.. التاريخ الذي يتحدث ويكاشف ويستنطق المتغيرات ويشرح المواقف ويوضح الأبعاد والملابسات ويشير إلى وقائع وإلى أبطال ميامين وإلى شهداء خالدين مخلدين .التاريخ يفعل هذا وليس احتفائية الزعيم المؤقتة التي تريد إسدال ستار على أهم منجز وصناعة نصر ارتاده المناضلون من كان لهم شرف الإسهام في فعل التغيير ورفضوا الخنوع والاستسلام والمغرى الدنيوي كله وقالوا: نعم لوطن خالي من القهر والظلم وفي المقدمة جيش التغيير الذي أبطل مفعول الزعيم وفاعلية المدججين لحماية الكرسي من الزوال .هكذا نحن وكل القلوب الأبية لديهم التاريخ هو وقائع وليس مكايدات ومغالطات وذهاب إلى مواقع غير صحيحة يعلن منها الزعيم البار المبجل العظيم القادر البطل الحكيم العليم أنه تنحى طواعية .في مشهد درامي كئيب جداً ليس فيه وقار أو لحظة وفاء للشعبي العام قدر ما هو تمجيد ذات الزعيم وتوقير له وجعله ذو القوة المتين كما كانوا ذات زمن يعزفون له هذا النغم الذي يشنف آذانه، فتعالى غروراً وتناسى وطناً وأجهض ثورة واستلب نصراً واحتكر الرأي حين جعلوه الحكيم والوفي والبار والذي لا يكذب أهله وربان السفينة الماهر وكل ذلك أضغاث أحلام .وكم كنا نتطلع إلى أن يطلق مرة واحدة كلمة صدق ويتنازل قيمياً للشعب ويعترف بأخطائه وتعتريه لحظة شجاعة يعلن أسفه وندمه للوطن كله. فالزعماء الحقيقيون لا يغالطون لا يكابرون لا تعتريهم نشوة الزعامة ولايتوقون إليها ولا ينتظرونها حتى ،لأنها تأتيهم من ذاتها من اعتراف الجماهير بالزعامة لهم واستحقاق التاريخيين المناضلين لها .والزعامة ليست تركيب مفردة لفرد تعبيراً عن رغبة يريدها ،ولكنها انتساب للفعل الخلاق النضالي الزاهد تأتي من قوة انتماء من استبسال من أجل رفعة وطن أو أمة من بين الجماهير ومن تطلعاتها الكبيرة من أحلامها وطموحاتها والتعبير عن مكامن أشواقها ورغباتها في الحرية والعدالة .والزعامة قيم حق وخير وجمال يتقن احترافها وجعلها سجية الأقوياء الأنقياء الأتقياء وإذاً ليست اختياراً وتكريماً وهبة ورغبة تتحقق للذات وسعي مجهد إليها ,فنحن لم نر في التاريخ كله زعيماً غالط شعبه حتى آخر احتفائية منحها لنفسه ،ولم نجد على امتداد التاريخ البشري كله الزعامة تبجيل وتوقير للذات ومواصفات محددة يرتضيها الطالب لها الساعي إليها، قدر ما نراها فعلاً حقيقياً متجذراً في الوطن يتحدث التاريخ عنه ولا يستطيع أن يتجاوزه أحد، كـ (نهرو وعبد الناصر وتيتو وموتسي تنغ وفلاديمير لينين وكاسترو والحمدي) وغيرهم الذين هم من حرية ونضال وحب وطن ولم يغادروا أو يرحلوا بخروج ملايين إلى الساحات ولم يمارسوا القتل والأذى على أوطانهم واعترفوا بأخطائهم قبل انتصاراتهم وأدانوا أنفسهم وبرأتهم الجماهير واحتفى بهم التاريخ حين كانوا يحتفو بأوطانهم.الزعامة إنها صناعة تاريخ يقوى عليها قليلون جداً نسميهم عظماء الإنسانية. الزعامة إنها هبة الأرض لأبطالها وليس لمن جعل الرصاص سلوكاً والوطن مفقوداً. الزعامة إننا نفتقدها ونتوق إليها. ولا نريدها اغتصاباً ولا اشتراطاً قدر ما نريدها فعلاً نضالياً يتوقف عنده الزمن ليشير بحب إليه ويمضي. الزعامة آه لو عرف معناها لما مسها بضر.
محمد اللوزي
مجدداً.."بالروح بالدم نفدسك يا علي" 2480