يصادف اليوم الذكرى22لإعلان التجمع اليمني للإصلاح عن قيامه ككيان تنظيمي وحضور سياسي ممتد على أرجاء الساحة اليمنية بكوادر هي أكثر إنضباطية وفهم لمعنى الإصلاح وبأيديولوجيا تفتحت على الآخر واعترفت بحضوره، بما عزز من التعددية السياسية ومن التنوع في الوحدة والوحدة في التنوع بعد أن كان التجمع يؤرق القوى اليسارية التي عبّرت عن مخاوفها بقوة في العديد من المواقف ونظرت إليه باعتباره مؤسساً على أيديولوجيا الفتوى ولغة الإقصاء وليس على البعد الديمقراطي.
ولعل هذا الإستباقية في الموقف وإصدار الأحكام الجاهزة كان نابعاً من العلاقة التي بين الإصلاح والقوى اليسارية قبل 22مايو1990حيث الصراع كان محتدماً في بعده الإيديولوجي على الأقل، غير أن الإنتقال إلى ما بعد الوحدة فتح باباً لكل التنظيمات تقدم نفسها على صعيد الواقع وكان على الإصلاح أن يعبر الدائرة التي أراد الآخرون وضعه فيها وأن يشتغل ببعده الإسلامي المتفتح على أكثر من صعيد وأن يمضي في معالم الغد برؤية رحبة ويزيل لبساً لدى الآخرين ربما بفعل السابق ولأن النظام السابق اشتغل على هذا الجانب بقوة ومن خلال الشعبي العام جرى تسويق التجمع اليمني للإصلاح أنه متطرف وذو جمود عقائدي، هذا على الأقل ماكانت تطرحه بعض قوى مؤتمرية على حدة في حين كان النظام السابق يوحي لقيادات التجمع بالتحالف والشراكة الوطنية وهو ما جعله مجرد غطاء له في مواجهة شريكة في الوحدة الوطنية الحزب الإشتراكي اليمني، إذ أن النظام كان يرى في الإصلاح السند والداعم القوي له في إزاحة وهزيمة الإشتراكي بهدف التفرد بالحكم وربما أن ارتكاب قيادة الحزب حماقات حتى حرب صيف 1994 هو ما أعطى الفرصة للنظام بأن يشكل مواجهة قوية ضد الشريك الأساس في قيام الوحدة.
وهو أمر وجد الإصلاح نفسه مضطرا لأن يقف مع النظام السابق رغم ما اشتغل عليه من انتهازية في الإساءة إليه، سيما بعد إعلان البيض الإنفصال وهو ما عزز القناعة بأهمية الدفاع عن الوحدة وما استفاد منه نظام صالح الذي خرج من حرب صيف بتكتيك آخر هدفه إقصاء الإصلاح من الشراكة الوطنية لنجد الحرب الكلامية يشتد أوارها وينبري الإعلام المؤتمري إلى النيل من الإصلاح واعتباره قوى متخلفة تنطلق من عقائدية فجة وتنتمي للتطرف ومصدراً للإرهاب مستغلاً بذلك قوى اليسار التي كانت ما تزال تنظر إليه مناوئاً لها ولم تحفل بتغيره الذي كان ينطلق منه ويمارسه على أرض الواقع وقد ظل الهجوم على الإصلاح حتى انتخابات 1997 النيابية التي أعلن فيها الشعبي العام المنافسة والدخول منفرداً من خلال الصندوق بإمكانية دولة في مواجهة تنظيمات لا تملك القوة المالية ولا العسكرية لخوض غمار التنافس.
ومع ذلك استطاع الإصلاح أن يجد له مكاناً في خضم المنافسة الشرسة وأدرك أنه أمام نظام لا يحفل بالشراكة ولا المواطنة المتساوية ولديه رغبة عارمة في إقصاء الآخرين والنيل منهم وزجهم في صراعات سياسية، مستغلااً التباين الأيديولوجي السابق لمزيد من الفرقة والانقسام للتفرد بالحكم.
ولعل التجمع اليمني للإصلاح الذي كان يمتلك الخبرة والمهارة السياسية والتجربة مع النظام السابق قد استطاع أن يفهم المعطى وأن يتعامل معه من خلال أمرين:
1-المصداقية والشفافية في العلاقة مع القوى السياسية وتجاوز الماضي بكل احتقاناته
2-الرؤية الموضوعية لممكنات التغيير وفق قراءة مستقبلية تتفهم البعد اليساري الذي لم يعد أساساً ينطلق من أيديولوجيا متشددة قدر ما هو مهتم بالبعد الاجتماعي بالعدالة والمساواة في الحقوق ولواجبات.
هذا الوعي المهم خلق مفهوماً وطنياً متقدماً لدى الإصلاح الذي كان عليه أن يسعى جاهداً إلى إيجاد عمل سياسي مشترك يقف بقوة في وجه نظام يريد الاستبداد باسم الديمقراطية.
وفي هذا السياق كان التحدي الأبرز هو كيف نوجد الثقة بين القوى السياسية التي وجدت نفسها مستهدفة من قبل نظام لا يرعى تعهدات ولا يؤمن بشراكة وطنية وإزاء هذا البعد الخطير والذي يكرس حكم الفرد عمل الإصلاح على توطيد الثقة مع قوى سياسية واستطاع أن يردم الهوة أو الفجوة التي أرادها النظام، مستغلاً تباينات الماضي ورأينا في الإصلاح كوادر امتلكت بجدارة مفهوم الديمقراطية كقناعة ترسخت وضرورة لابد منها واشتغل الكثير من مثقفي الإصلاح على الحداثة على كافة الصعد وعلى وجه الخصوص الثقافي بخطاب تحديثي متقدم لا نجد بينه والقوى اليسارية فارق يذكر وتجلت على ذات المستوى القدرة لدى الإصلاح في أن يشتغل على السياسي ويخفت العقائدي وإن كان منطلقاً منه لكنه في المحصلة كان يرى إلى أهمية استحضار مهام وطنية عاجلة تستهدف تحقيق أكبر قدر من التوافق وتعزيز الثقة بين مختلف أطياف العمل السياسي وتقف بقوة في مواجهة نظام يريد إلغاء التنوع الذي كان مصدر قوة في عملية البناء الوطني وما يزال وهو أمر أدركه الإصلاح واشتغل عليه بضمير قوي وبأناة وصبر لإدراكه أن بناء الثقة يحتاج إلى وقت وإلى مواقف تعبر عن نفسها وإلى إثرة وتجرد من نوازع الإستحواذ ورفضها وتقديم حتى الآخر على نفسه واعتبار موقف يصدر من التعددية السياسية والحزبية هو في ذات المستوى يعبر عن الإصلاح.
هذا ما عمل من أجله وصولاً إلى قيام أحزاب اللقاء المشترك الذي مثل نقلة نوعية كبيرة استطاعت بقوة لجم النظام وما كان يسير فيه من محاولات الفرقة والإنقسام وصارت لغة الشعبي العام المترجمة لقناعات رئيسه ممجوجة وغير فاعلة ومنعدمة التأثير وعلى وجه الخصوص في إلقاء تهم على الإصلاح أنه تطرف وإرهاب والاشتراكي أنه إلحاد والناصري أنه إنقلابي وكانت كل هذه التهم تسقط تماماً أمام تماسك المشترك، سيما بعد أن اتسقت الرؤى بين اليمين واليسار من أجل الوطن وذلك ما أفقد النظام صوابه حين بث الكثير من الشائعات التي تستهدف المشترك وتوافق العقائدي الإسلامي مع الحادي الأمس وهو طرح عزل النظام أكثر من تأثيره على أحزاب المشترك.
والحقيقة أن الإصلاح بنى نفسه بسرعة ومهارة وبقدرة تدهش المتابع لينتقل من حزب يعاديه اليسار إلى حزب يسير في اتجاه مع الآخرين ويلتحم مع القوى الوطنية ويجسد الموقف الوطني المعبر عن التنوع في الوحدة والذي يحفل بالآخر ويقف معه ويتبنى مطالبه ويسعى إلى مؤازرة اليسار بقوة ودون تردد لدرايته أن الراهن غيره بالأمس وأن ما كان في السابق ينبغي تجاوزه لتغيير في المعطى ولأن النظام أفلس ولم يعد قادراً على تقديم شيء للوطن والأولى التحالف لتعزيز اللحمة الوطنية والعمل من أجل التطور الديمقراطي وأن صمام بناء الدولة اليمنية الحديثة هو الاعتراف بالآخر وبالتنوع وبالتحديث وبالعمل المشترك والتصدي لقوى الفساد وتعريتها ومواجهة التحديات وكل ذلك يحتاج إلى مواقف واضحة وانحياز قوي للوطني وشراكة تتمثل في أحزاب ألقاء المشترك الذي جسد تجربة نموذجية رائدة حققت البعد الوطني الأهم في الإنتصار على النظام وخلعه من سدة الحكم وكان اللقاء المشترك هو الأقدر بتلاحمه والثقة التي انبنت خلال تجربته على حيازة هذا النصر ليكون الحدث بمستوى تطلعات اليمين واليسار وبمستوى القناعة الراسخة بأهمية بناء يمن حديث ودولة مدنية أساسها المواطنة المتساوية وهو هدف اتفق عليه اللقاء المشترك.
ولعل استراتيجية الإصلاح اليوم تستمدها من أهمية العمل المشترك وعدم التفرد والإقصاء للآخرين بمعنى أنه تحالف وطني مستقبلي يتجاوز اللحظة أو الراهن ويستمد قوة عمله السياسي من أهداف مشتركه مع القوى الوطنية وهو أمر يعقله الإصلاح ويثق في تطوره ويرى أن أهمية الشراكة الوطنية هي وحدها الأقدر على تخطي معوقات الحاضر وهي من يستطيع تجسيد مهام البناء الوطني، بمعنى أن الإصلاح كقوة سياسية تحديثية وقوة فاعلة وغير عادية تؤمن بالتنوع في إطار الوحدة وبحرية الرأي وبالحقوق الإنسانية كل هذا يضع هذه القوة الوطنية ذات حضور فاعل لدى الآخر الذي أدرك أن اليوم غير الأمس وأن ما أراده النظام من تباين واختلاف وتصادم بين اليمين واليسار قد تم تجاوزه وأن ما هو مهم هو التنافس في تقديم البرامج السياسية والإقتصادية الإجتماعية لتطوير الوطن وهو ما يجب الإشتغال عليه وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
هكذا الإصلاح خلال مسيرة 22 عاماً حفل بالكثير من المحطات ربما أخفق في بعضها ونجح في الكثير منها وتجاوز مؤامرة واشتغل على وحدة وطنية وامتلك تجربة مكنته من أن يبني عليها قناعات مهمة في توطيد وتعزيز الشراكة مع الآخرين ضمن الإسلام عقيد وشريعة وماعدا ذلك للتباين مجاله مادام من أجل الوطن والإعتراف بالآخر يمثل حيوية سياسية ويفضي إلى متسع للبناء والى أن يكون الإختلاف رحمة.هكذا الإصلاح بقدرما استهدفه النظام بقدر ما استطاع أن يوطد أركانه وبقدرما حاول البعض زراعة الفرقة والإنقسام بقدر ما أنجز تلاحماً وطنياً أفضى إلى انتصار عظيم على نظام مستبد قائم على إيديولوجيا فرق تسد.
ولعل القادم وهو يسير من ذات التلاحم الوثيق بين أحزاب المشترك سيكون له القوة والفاعلية في بناء الدولة اليمنية الحديثة والتداول السلمي للسلطة واحترام الحقوق والحريات وهي مشتر كل القوى الوطنية وستؤتي ثمارها.
محمد اللوزي
الذكرى 22 للإصلاح 2295