كم هو رائع ومهم أن يُعلن عن هيئة وطنية لاسترداد الأموال المنهوبة من النظام السابق؟، لكننا وقبل أن تأخذنا الحماسة إلى مطالبة ألمانيا وسويسرا وفرنسا والولايات المتحدة بتجميد واستعادة مليارات الدولارات المسروقة والمنهوبة من هذا البلد الفقير؛ علينا أولاً وقف العبث الحاصل للمال العام ولمقدرات وثروة وقوت ودواء هذا الشعب المنكوب!..
أعجب كثيراً حين أقرأ في صحيفة بأن قناة قائد الحرس الجمهوري (اليمن اليوم) وكذا صحفه اليومية يتم تمويلها من وزارة الدفاع الدائرة المالية!، أليس الأجدى لنا الآن وقف مائة مليون ريال شهرياً يتم صرفها للرئيس السابق ودون وجه حق؟، فلتكن الهيئة فاتحة لاسترداد كل ما تم سرقته ونهبه من الرئيس صالح وأقربائه ورموزه؛ لكن ذلك لا يعني الصمت إزاء صيرورة واستمرار مسلسل النهب المنظم الحاصل لمقدرات وموارد وممتلكات وأموال هذه البلاد المنهكة المنهوبة .
عندما يقر جهاز الرقابة والمحاسبة بصرف أمانة العاصمة خلال السنة الفائتة 2011م مبلغ وقدره مائة مليون ريال على معتصمي التحرير، ناهيك عن 94 مليون ريال مقابل استئجار الخيام الرابضة في قلب العاصمة صنعاء؛ فهذا أمر خطير ويتوجب محاسبة فاعله دون تردد أو تأخير أو مداهنة .
وحين تسمع وزير الدفاع يتحدث عن فقدان 90% من عتاد وجهوزية اللواء الأول حرس خاص المعني بحماية دار الرئاسة والمنشآت الرئاسية الأخرى؛ فهذا بلا شك يجعل من مطالبتنا للدول أشبه بذلكم الشخص الذي يطلب من جاره مساعدته، كيما يكسر بوابة داره فيما مفتاحه بجيبه .
المسألة المهمة الأخرى التي ينبغي التطرق إليها -ودونما مواربة أو مداهنة – ألا وهي استعادة كل ما نهبناه نحن المتحمسون جداً لاسترداد الأموال المنهوبة، فلا يمكن؛ بل ومستحيل أن نطلب من الآخرين مساعدتنا في استعادة المال العام، فيما النهب والعبث مازال قائماً ومشاهداً وبشكل فج ومستفز ودون توقف للحظة ولو احتراماً لمشاعرنا وكرامتنا المنتهكة يومياً في قنوات وصحف العالم وكذا في توسلات وتسول حكوماتنا المتعاقبة كي تحصل على المال القليل الذي لا يوازي واحد بالمائة من ماله المسروق .
شخصياً أجدني مطالباً بوقف النهب الحاصل اليوم وفي أكثر من مؤسسة ووزارة وهيئة، فدونما توقف مسلسل العبث بالمال العام وفي وقت عصيب وثائر كهذا الذي أسقط نظاماً عائلياً وعسكرياً فاسداً؛ فلا أعتقد بقدرتنا على استرداد ما نهب وسرق وهرب إلى الخارج .
على هذا الأساس وقبل الكلام عن الرئيس المخلوع ورموزه الفاسدين الذين يستودعون مليارات من الدولارات المسروقة في بنوك وعقارات واستثمارات؛ ينبغي وقف حالة العبث والنهب الواقعة لمؤسسات الدولة ولجيشها وعتادها وخزينتها وممتلكاتها ووظائفها وعقاراتها وسفاراتها وووإلخ، وقبل ذا وذاك بالطبع نحن المتحمسون المحاربون الحاملون لراية استعادة الأموال المنهوبة، فعلى كل واحد منا إعادة ما نهبه وسرقه من مال أو عقار أو وظيفة أو مسكن أو سيارة أو غيرها من الأشياء المنهوبة التي يراها البعض هينة ولا يمكن مقارنتها بمنهوبات الرئيس ورموزه الكبار، ففي كل الأحوال ينبغي لكل منا إعادة ما نهبه واستولى عليه دون وجه حق .
وإذا كنا بالفعل حريصون على استعادة ما نهب؛ فلتكن البداية بوقف النهب القائم وباستعادة كل واحد من المطالبين باستعادة أموال اليمن ما بحوزته وتحت يده وتصرفه، فلا يعقل لشخص مازال مستولياً على هكتارات من أرض الدولة وعلى مبان وممتلكات عامة؛ ومن ثم يدعي حرصه الشديد لاسترداد مال منهوب؟.
فكما هو معلوم بان النظام السابق أنتهج سياسة الإفساد ولحد مكنه من إفساد كل شيء في حياتنا أخلاقاً وثقافة وسياسة وإدارة ووظيفة وحزبية وديمقراطية وعدالة وتعليم وووإلخ، لذا يمكن القول بأن استعادة المال يستلزمه إرادة سياسية قوية وأيضاً أناس أقوياء ومؤمنون بحتمية القضاء على الفساد ومحاربة بؤرة وطرقه أين وجدت وكانت؟
فما من جهة وما من شخصية مرموقة ومؤثرة وما من حزب وهيئة؛ ألا ونالها نصيب من هبات ومكرمات وعطايا الحاكم الفاسد وإن بقدر متفاوت، وعليه؛ فإننا وقبل أي شيء أخر نفعله لاسترداد المال المنهوب، يتوجب علينا استعادة ما نهبناه من مال أو عقار أو منزل أو سفارة أو سفينة أو شركة أو غيرها من الأشياء التي لا يجوز لنا استملاكها واستحلالها مهما كانت المبررات .
ليكن مطلبنا عادلاً ونزيهاً ومنصفاً ومحترماً من الجميع، ولتكن براءة ذمتنا لا يشوبها شك أو زيف أو غبار طمع ونهب، فكما قيل قديماً: إذا أتاك غبار النهب فأغلق بيتك، وهذا باعتقادي ما يحتاجه كل واحد منا كي يمضي بسلام وأمان من أية مساءلة وعقاب، وكي يعبر وطن إلى مستقبله المنشود المستقر والمزدهر .
محمد علي محسن
أوقفوا مسلسل النهب أولاً!! 2452