يحتفي الشعب اليمني بمرور خمسين عاماً على قيام ثورة ٢٦ سبتمبر الثورة الأم لكل ثورات اليمن التحررية شمالاً وجنوباً هذه الثورة التي قام بها نخبة صغيرة من خيرة رجالات اليمن ومن مختلف ربوع الوطن بعد أن استشعروا واقع الشعب البائس والظلم الذي عم أبناء الوطن قاطبة متسلحاً بالجهل والفقر والمرض، فأعد هؤلاء الأبطال عدتهم وعتادهم رغم بساطتها، ولكنهم كانوا مسلحين بإرادة وطنية لا تلين، وبإقدام لا ينكسر، وإيمان بأهدافهم لا يخالجه شك، وصاغوا أهداف الثورة الستة، تلك الأهداف التي سبقت وعي غالبية أفراد الشعب في ذلك الوقت وفوق طموحهم، فكانت هذه الثلة من الثوار الأبطال تحمل هذا الهم وهذه الطموحات، ففجروا الثورة ولأن الله علم صدق مقاصدهم وأهدافهم الخيرة، فتحقق لهم النصر وأعلنت الثورة بيانها بنجاح الثورة وقيام الجمهورية واستشهد منهم من استشهد في حينه وبقي من كتب لهم السلامة على النهج سائرون، رغم المصاعب التي واجهتهم واستطاعوا كسب كثير من الشعب لتأييد الثورة وبنجاح الثورة في صنعاء، كانت القاعدة والركيزة الأساسية لانطلاق ثوره ١٤ أكتوبر، حيث انطلقت ثورة تحرير جنوب الوطن في أكتوبر بعد عام من قيام ثورة سبتمبر وكان لثورة مصر عبدالناصر دور كبير في إذكاء ثورة اليمن ونجاحها.
لقد كانت أهداف الثورة الستة شاملة لكل طموحات الإنسان اليمني، ولكن ثوره اليمن مثلها مثل كثير من الثورات في العالم تقابلها ثورات مضادة وخطاف الثورات ولذلك المتصفح لأهداف الثورة الستة بعد مضي خمسين عاماً من قيام الثورة نجد أن هناك من حرفها على المسار وعمل على تحويل البلد وكل خيراتها إلى ملكية خاصة له ولأسرته وعصابته حتى أنه وصل إلى مرحلة اعتقد أنه يملك الأرض ومن عليها، فبدلاً من التحرر من الاستبداد وإزالة الفوارق والامتيازات بين أفراد الشعب كأحد الأهداف الستة عمم الاستبداد في ربوع الوطن وزادت الفوارق والامتيازات في المجتمع، وبحيث أصبحت شلة صغيرة تتمتع بكل الامتيازات والحقوق وبقية أفراد الشعب محرومين من أبسط الحقوق، وبدلاً من بناء جيش قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكتسباتها تم بناء جيش أسري ولاءه للعائلة ولم يرقب في الشعب إلاً ولا ذمة.
وكذلك الحال في بقية بنود الثورة، فازدادت الفوارق الاقتصادية الاجتماعية والتعليمية، فسواد الشعب يعيش في كفاف ومعاناة ومرض وقلة قليلة تعبث بثروات البلد ومقدراتها وأثرت ثراءً فاحشاً ليس له مثيل في تاريخ اليمن المعاصر وضرب التعليم في مقتل، فأصبحت مدارسنا تخرج شبه أميين، بينما النخبة المتنفذة يدرس أبنائهم في مدارس خاصة متميزة ويبعثونهم لأرقي جامعات العالم ولم يحققوا تكافؤ الفرص لكل أبناء الشعب ووصل الحال إلى وضع ميؤوس منه ونفق مظلم قتلت فيه كل الطموحات والآمال، عانى منه الجميع واستقراء لواقع الحال المظلم كان الواحد يتساءل عن مستقبل الأجيال وكيف سيكون وضعهم إذا استمر الوضع على ما هو عليه؟!.
وعندما بلغ اليأس مداه والإحباط نهايته وبلغت القلوب الحناجر جاء الأمل من تونس الخضراء إيذاناً بانطلاق الربيع العربي ولأن كل مقومات قيام الثورة ومسبباتها موجودة على واقع اليمن أكثر من أي دولة أخرى كانت انطلاقة ثورة الشباب في ١١ فبراير ٢٠١١، إيذاناً بفجر جديد وأمل عريض وطموح شعب عانى ويعاني الكثير، فانطلق أحرار وحرائر اليمن إلى الساحات مستقلين وحزبيين دون استئذان من أحزابهم، بما فيهم شباب ينتمون للمؤتمر ثم التحق بهم أحزاب اللقاء المشترك وقيادات مؤتمرية حرة وتلاحم الجميع في موقف واحد وهدف واحد وقدموا التضحيات تلو التضحيات حتى أيقن النظام أن إرادة الله قد حلت ولا مناص له إلا الرحيل، فرحل رأس النظام بمبادرة حاكها بيده وكانت سبباً في نهايته ولازالت عصابته تلحقه تباعاً.
ورغم محاولة النظام السابق القيام بثورة مضادة إلا أن عجلة التغيير قد دارت ولا يمكن لها أن تقف، فقد تعثرت ثورة الشعب أكثر من خمسين عاماً وإذا كانت ثورة سبتمبر قد قام بها نخبة من أبناء الوطن من أجل الشعب، فإن ثورة الشباب قد قام بها معظم أفراد الشعب، فأصبح الشعب كله صمام الأمان لتحقيق أهداف الثورة، فعلى الجميع الانطلاق نحو تحقيق أهداف وطموحات الثورة دون مواربة أو مهادنة وعلى الجميع أن يدرك أن أهداف الثورة ليست لفئة ولا لقبيلة بعينها ولا لحزب أو جماعة بمفردها، ولكنها تمثل طموح شعب تحمل الآلام وعانى التفرقة والحرمان، فعلينا جميعاً أن نعمل على قيام دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية، بحيث نضمن مستقبل أبنائنا جميعًا كمواطنين متساوون بالحقوق والواجبات ولنحذر من أي التفاف على أهداف الثورة، وفاءً منا للشهداء والجرحى الذين ضحوا من أجل ذلك وحتى نضمن وطناً آمناً مستقراً خالياً من أمراض المناطقية والطائفية والسلالية، فبالعدل والمساواة تحيى الأمم وتبنى الدول.
محمد مقبل الحميري
من ثورة سبتمبر إلى ثورة الشباب الإخفاقات والطموح 2409