جاءت ردود الفعل العربية والإسلامية على الفيلم المسيء للإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم والرسوم الساخرة والمنحطة التى نشرت فى إحدى المجلات الفرنسية المغمورة لتؤكد في معطياتها وانفعالاتها على اننا في العالم العربي والإسلامي لم نصل إلى مرحلة النضج التي تساعدنا على معرفة كيف نتعامل مع الآخر وبأي أسلوب يمكن أن نخاطبه ونلفت نظره إلى انه هناك خصوصيات يجب أن تراعى وقيم لا ينبغي أن تصبح مصدر تضاد أو باعثاً لصدام الحضارات وصراع الأديان.
فالمتابع لردود الأفعال التي شهدتها العديد من البلدان العربية والإسلامية على اتساع دائرتها وحدة ماتجسد فيها من مشاعر الغضب والإحساس بالضيق والهوان يستطيع بسهولة أن يكتشف لماذا لم نصل مع الآخر إلى طريق واضح المعالم ولماذا لايكترث هذا الآخر بأوجاعنا؟ ويعمد إلى الصمت بل والتبرير للإساءات التي تجرح مشاعرنا والتطاول على ديننا ونبينا على الرغم مايربطنا به من مصالح مشتركة ومنافع متبادلة فضلاً عن أن الغرب ظل ومايزال مقصد المسلمين سياحة وتجارة واستثماراً وتعلماً وهجرةً وعملاً كما أن الإسلام يمثل ثاني أكبر الديانات في الولايات المتحدة الأمريكية والقارة الأوروبية.
وعليه فإذا كان العالم العربي والإسلامي قد فشل فى إقناع الغرب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م بضرورة التمييز بين الإسلام كدين وقيم وثقافة وبين غلاة المتطرفين المحسوبين على هذا الدين والذين لايلتزمون بتعاليمه التي تنبذ العنف والتعصب والغلو والإرهاب فإن الغرب قد فشل هو الآخر فى إقناعنا بحقيقة موقفه من الحملة المحمومة التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون من قبل بعض الجماعات المتطرفة والعنصرية والمرضى النفسيين الذين تكسرت أحلامهم على صخرة الفشل والتحلل الأخلاقي فوجدوا أن أسهل وسيلة لتعويض (عقدة النقص ) لديهم وتحقيق الشهرة والنجومية هو بالتطاول على المقدسات الإسلامية وتوجيه الإهانات للمسلمين وبصورة تكررت في السنوات الأخيرة بشكل لافت .. فهذا يرسم النبي محمد صلى عليه وسلم برسوم شيطانية وساخرة .. وآخر يقوم بتدنيس المصحف الشريف وإحراقه.. وثالث ينتج فيلماً منحطاً وسخيفاً لا هدف له سوى الإساءة لرسول الإسلام.
وأمام اختناقات هذا المشهد فهل يمكننا ان نتحدث عن مستقبل مشترك وشراكة حقيقية بين الغرب والعالم الإسلامي فمن غير الواقعية الركون على ماهو قائم لضمان مستقبل هذه العلاقات خاصة إذا مااستمر التغاضي على الحملات المسيئة للإسلام وتركت الحرية الكاملة للجماعات المتطرفة بالغرب في نشر بذور الكراهية والأحقاد بين أبناء الحضارتين وظلت هذه الورقة قابلة للتسيس في ماراثون الانتخابات كما هو الحال في الفترة الراهنة.. وما يأمله المرء أن يكون الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومنافسه المرشح الجمهوري (رومني) قد أدركا خطأ عدم التمييز بين حرية التعبير والإساءة إلى أكبر الأديان السماوية واستشعرا أيضاً انه إذا كانت الحضارة الغربية تقدس مبدأ الحرية داخل فضائها على الأقل فإن الحضارة الإسلامية تقدس القيم التي جاءت بها الديانات السماوية الثلاث وترى أن الدفاع عنها يستحق أي تضحية.
وطالما والأمر كذلك فكيف يمكن لمليار ونصف مليار مسلم أن يقبلوا الإساءة لدينهم ونبيهم الكريم تحت شعارات (حرية التعبير) فيما هم يرون أن هذه الحرية العمياء تذبح من الوريد إلى الوريد إذا ما تعلق الأمر بحديث يشكك في المحرقة التى تعرض لها اليهود أو يسيء للديانة اليهودية أو يفهم منه انه يعادي السامية.. فهل يخشى الغرب حقاً الإسلام والمسلمين؟ وما الذى يخشاه على وجه الدقة ؟ أنا شخصياً لا أعتقد أن الموضوع يتعلق بالإرهاب بقدر مايتعلق بأمور أخرى وأتصور أن الحملات المسيئة للإسلام والمسلمين صارت قضية توظف لمصالح انتخابية فاليمين المتطرف صار يستخدم هذه الورقة لكسب أصوات الناخبين والوصول إلى السلطة فيما الجماعات الأخرى تستغل هذه الورقة من أجل الوصول إلى نفس الهدف الذي يعد هو الغاية الكبرى.. فيما نصبح نحن الكرة التي يتقاذف بها الجميع وذلك ماكان له ان يحدث لولا هزيمة (الأنا) العربية والإسلامية وضمورها أمام (الأنا) الأخرى المتعالية.
علي ناجي الرعوي
لماذا يستهدفون مقدساتنا؟ 1771