عندما يثور الشعب بمعظم فئاته ضد النظام الذي يحكمه لا يمكن أن تكون ثورة ضد شخص الحاكم لذاته لاستبداله بحاكم آخر يحبونه أيضاً لذاته.... فالشعوب تصبر وتصبر خوفاً من المجهول ولكنها عندما يتجاوز الطغيان مداه والظلم نهايته ويصبح الفساد هو الأصل والنزاهة نادرة وتنتقص مواطنة المواطنين ويتمايز الناس بحسب الانتماء للأسرة أو المنطقة أو المذهب أو الجنس واللون وتصبح حماية المتنفذ أقوى من حماية القانون ويستد الأفق ويقتل الأمل أمام الناس وتكون النظرة للمستقبل أكثر قتامة من الواقع المؤلم عندها تبدأ طاقات الشعوب بالتململ وتبدأ إرهاصات الثورة بتحركات ومواقف هنا وهناك رفضاً للواقع صارخة في وجه الباطل وغالباً تواجه بعنف وكبت وقمع غير مسبوق، فيزداد الضغط النفسي والمعاناة الشعبية وكما يقال كثرة الضغط يولد الانفجار، عندها تندفع الشعوب اندفاعاً قوياً ليس فيه احتمال للعودة والتراجع عن هذا الاندفاع نحو التغيير، لأن التراجع معناه الانتحار والانتقام من الشعب أكثر من ذي قبل، فالحكام لا يعتبرون ولا يعرفون إلا لغة البطش والتنكيل التي تعودوا عليها وصحيح أنه في بداية اندفاع بركان الثورة قد تكون المجاميع التي تبدأ بهذا الزلازل قليلة ولكن عامة الشعب الذين لم يكونوا قد خرجوا هم أيضاً مهيئون للانفجار وجاهزون للانطلاق وبحماقة الحكام وتعاملهم المتغطرس واستخدام القوة المفرطة مع من خرجوا للبطش بهم وكذلك خطاب مطبلي الأنظمة والمنافقين المستهينين بقدرات الشعوب، كل ذلك يساعد علي سرعة خروج من تبقوا وانضمامهم مع من سبقهم فيشكلون طوفاناً هائلاً لا عاصم للأنظمة منه إلا بالزوال وإنقاذ إرادة الشعب، فهذه قوه الشعوب التي لا تقهر عندما تتحرك وفق إرادتها الصادقة، فتسطر التاريخ كيف تشاء ومستحيل آن يغلبهم غالب ولله در القائل:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
وهذا ما حدث في بلادنا وزلزل من اعتقدوا أنهم هم اليمن واليمن هم، فرحلوا.. صحيح أنهم رحلوا وفق مبادرة إقليمية ولكن ما كان لهذه المبادرة أن يكون لها قيمة وتنفيذ لولا إرادة الشعب..
نسرد هذا الحديث ليعتبر فيها كل حاكم أو حزب قادم لقيادة اليمن بأن بقاءه بعد إرادة الله بإرادة الشعب والعاقل من اتعظ بغيره..
وعلي كل الفاعلين في المسرح اليمني أن يعملوا علي تأسيس الدولة اليمنية الحديثة القائمة على العدل والقانون والمواطنة المتساوية وهو أنبل هدف أجمع عليه اليمنيون... وعليهم تقديم مشاريعهم وتصوراتهم لكيفية هذه الدولة والتحاور حول ذلك من منطلق مصلحة الوطن أولًا ومصلحة الوطن آخراً وليس تفصيل قمصان لأحزاب أو جماعات أو مذاهب، فالشعب اليمني قدم التضحيات تلو التضحيات لينعم بوطن آمن مستقر يسوده العدل والمواطنة المتساوية وينعم بخيرات بلاده دون تمايز أو استئثار فئة من الناس بهذه الخيرات علي حساب الشعب وكلنا يتوق لأن نرى مثل هذه المشاريع والتصورات لكيفية بناء الوطن على الواقع وعبر الحوارات والندوات وكل وسائل الإعلام ليدلي كل واحد بدلوه ولا ننتظر أن تأتي إلينا مثل هذه المشاريع من الخارج، فهذه مسئولية أبناء الوطن جميعًا وفي مقدمتهم الأحزاب والأكاديميين والعلماء ومنظمات المجتمع المدني وكل الفاعلين في المجتمع بضمير يقظ وروح تحمل المحبة للجميع والحرص على الوطن ومن يعمل عكس ذلك فلن يغلب إرادة الشعب والتاريخ لا يرحم.
محمد مقبل الحميري
عضو مجلس النواب
محمد مقبل الحميري
ثورات الشعوب تحمل قيماً وأهدافاً نبيلة 2166