في مثل يوم أمس من عام 1977م غدر بمشروع الدولة المدنية الحديثة التي حلم ويحلم بها كل اليمنيين وذلك بقيام دعاة الجهالة والتخلف والإجرام باغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي بأسلوب لم يعهده أي مجرم في اليمن من قبل فضلاً عن الشعب اليمني بل ان الشيطان ربما يأبى ويترفع عن أن يأتي بمثل هذه الجريمة الحقيرة, فقد اعد له من وثق بهم ومنحهم مكانة فوق مستواهم, أعدوا له مأدبة للغدر والإجرام وطلبوه بإلحاح لتناول هذه الوجبة وأقسموا عليه الإيمان المغلظة أن لا يرد طلبهم ويرفض دعوتهم وبسماحته المعهودة وثقته الزائدة بمن لا يستحقون الثقة لبى دعوتهم وذهب إليهم متخففا من الحراسة الشخصية الزائدة كعادته ولم يدر بخلده أن هذه الضيافة والإصرار عليها يحمل هذا الإجرام الفضيع لتكون حياته وحياة أخيه عبدالله ثمنا لها فكانت الجريمة ولم يكتف المجرمون بجريمتهم هذه بل أنهم قتلوا فتاتين فرنسيتين بمكان آخر غير مكان العزومة ثم نقلوا الجثث إلى داخل فلة بوسط العاصمة في جريمة لا تقل بشاعة عن جريمة القتل الغادر أن لم تكن أفضع منها... فمثل هذه الجريمة وهذه الخيانة والانحطاط الأخلاقي لا يقوم بها إلا من فقد الآدمية والقيم والدين والمروءة ... ولان قتل مشروع الدولة المدنية الحديثة متمثل بقتل هذا العملاق كان بتآمر خارجي وتنفيذ محلي لذلك لم نشاهد أو نسمع أي احتجاج فرنسي على مقتل الفتاتين الفرنسيتين ظلما وعدوانا وهي الدولة التي تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا تعرض احد رعاياها في أي بقعة في الأرض لأبسط تهديد أو لمجرد توقع الخطر.
الحمدي الذي حكم اليمن ثلاث سنوات أتى إلى سدة الحكم بعد أن وصل الشعب إلى يأس شديد وإحباط شامل,فبوصوله تبدل اليأس أمل والإحباط طموح ودبت روح الحياة في نفوس الناس فانتعش الاقتصاد واشتغلت الأيدي العاطلة وشقت الطرق إلى كل القرى والأرياف وتحسن الأداء الحكومي كثيرا وعادت هيبة الدولة وتعززت الثقة بها فأعدت التخطيطات الحضرية للمدن وحجزت الأراضي للمشاريع العامة والمنشآت الخدمية والحكومية والحدائق العامة والمتنزهات وفق رؤية الدولة التي نريد.
هذا القائد الذي أحب الشعب فأحبه شعبه كان ما يدعو إلى أمر أو ينهى عن فعل إلا كان أول المنفذين لهذا التوجيه ويطبقه على القريب قبل البعيد وعلى القوي قبل الضعيف وكان شعاره القانون فوق الجميع فكانت اليمن كلها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها هي قبيلته وهي أسرته وعشيرته, ففي فترة حكمه القصيرة شعر الناس بالمواطنة المتساوية التي لا تميز بين غني وفقير وشيخ ورعوي ووزير وغفير.... وفي عهده أنشأت التعاونيات فكان لها بصماتها في التنمية الشاملة وأصبحت اليمن خلية نحل الكل يعمل فقضي على البطالة وتعززت القيم النبيلة في المجتمع ولأن حلم الرجل كان اكبر وحبه لليمن كان أعظم فمنذ الوهلة الأولى لتوليه مقاليد الأمر وجه بإيقاف أي مهاترات أو ترافق إعلامي مع النظام في الشطر الجنوبي آنذاك وقوبل هذا التوجه بالمثل من قبل القيادة في عدن بزعامة الشهيد سالم ربيع علي ثم انطلق بخطوات جريئة وصادقة نحو توحيد شطري الوطن..
وعندما قرر الذهاب إلى عدن للمشاركة باحتفالات عيد ثورة١٤ أكتوبر المجيدة ورسم الخطوط النهائية لخطوات إعلان الوحدة لعرضها على صديقه الحميم وشريكه في تنفيذ هذا المشروع المناضل الشهيد "سالمين" كانت يد الغدر والخيانة أسرع للقضاء على حلمه النبيل الذي هو حلم كل اليمنيين فقتل يوم ١١ أكتوبر عام ١٩٧٧ م قبل موعد توجهه إلى عدن بيوم واحد وبمقتله هوى النجم الذي أضاء ربوع الوطن فعم الظلام والحزن العميق في نفوس كل اليمنيين في الداخل وفي المهجر وانقلب الحلم الجميل كابوسا فضيعا وتحولت الآمال إلى الآم والطموح تبدل مكانه الإحباط٠
خرج مئات الآلاف من اليمنيين يشيعون جثمان الشهيد وهم في ذهول شديد لا يكادون يصدقون هذه النهاية التراجيدية المحزنة ولو تسنى للشعب اليمني كله للخروج لخرج كما خرج لتشييعه المجرمون والقتلة الذين نفذوا الجريمة يتقدمون الصفوف ويذرفون دموع التماسيح فقذفتهم الجماهير بالأحذية ثم عاد الناس كل إلى منزله مستسلمين للأمر الواقع الذي فرضه أعداء الشعب عليهم رغم حزنهم... ولأن الله حكم عدل ويمهل ولا يهمل فقد نال الجميع جزاءهم بما فيهم هذا الشعب الذي حزن ولم يثأر لنفسه وللمظلوم ... فالقتلة نالوا جزاءهم بعضهم عاجلا وبعضهم آجلا ولازالت لعنة هذه الجريمة تتابع من تبقى منهم أما الشعب الذي حزن بصمت وسلبية وترك المجرمين بعد ذلك يتربعون على صدره نال جزاء سكوته أيضاً وعوقب عقابا مرا وقاسيا أستمر ٣٤ عاما ذاق فيها الويلات ودفع ثمنا باهضاً حتى بلغ الأمر مداه والظلم نهايته عندها أستيقظ هذا الشعب يقظة مشحونة بالإيجابية وروح التضحية مستشعرا الكارثة التي يعاني منها فأشعل ثورته المباركة في ١١فبراير٢٠١١م هذه الثورة العظيمة التي كان يفترض أن تكون يوم مقتل الشهيد الحمدي ولكنها تأخرت ثلاثة عقود ونيف,فدفع ثمن التأخير من دماء أبنائه ومن أمنه وسلامته ولقمة عيشه وعندما نهض بعزيمة وإرادة تحقق له النصر على من سامه سوء العذاب وأذاقه الويلات وأعاق تنفيذ مشروعه الحضاري حلم الأجيال هذا الشعب عقد العزم على المضي قدما حتى يتحقق المشروع الذي بدأه الحمدي كاملا غير منقوص "قيام دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية لكل أبناء الوطن" بإرادة صلبة لا تنكسر ولا تلين ,معطياً العهد أن لا تتكرر غلطته بالسكوت عن الظلمة والقتلة والفاسدين مهما كان الثمن..
سلام على شهيد الوطن إبراهيم الحمدي يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا.
عضو مجلس النواب
محمد مقبل الحميري
الحمدي مشروع وطني لن يتوقف 2303