قطعت اليمن خلال الثماني أشهر التي أعقبت التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وانتخاب الرئيس عبدربه منصور هادي رئيساً توافقياً للبلاد أشواطاً مهمة على صعيد إعادة تطبيع الأوضاع الداخلية واحتواء مؤثرات الأزمة العصيبة التي كادت أن تودي باليمن إلى منزلقات الحرب الأهلية لولا العناية الإلهية التي كانت فوق الجميع.
إذا انه وعلى غير توقعات الأطراف الإقليمية والدولية الراعية للمبادرة الخليجية فقد تحلى اللاعبون الرئيسيون على الساحة اليمنية بمرونة عالية أسهمت إلى حد كبير في حلحلة أصعب الإشكاليات التي كانت تقف أمام تقدم مسارات التسوية السياسية وبدء عملية التحضير لمؤتمر الحوار الوطني الذي سيعنى بمناقشة كل ما يتصل بمستقبل اليمن ونظامه السياسي وهيكله الإداري وبنيته التشريعية والقانونية فضلاً عن إيجاد الحلول للقضايا العالقة والتي تتقدمها القضية الجنوبية والوضع في محافظة صعدة وتداعيات الصراعات السابقة وبما يفضي إلى وضع نهايات قاطعة مع الماضي وفتح صفحة جديدة تنتقل باليمن وشعبه إلى واقع آخر تسوده قيم الحداثة والشراكة والمواطنة المتساوية .
وفي ظل هذه الآمال العراض التي تملأ نفوس اليمنيين واستبشارهم بقرب لحظة الخلاص والخروج من نفق الأزمة العسيرة التي مرت بها بلادهم نجد في الواجهة الأخرى أن هناك من لم يرق له انعتاق اليمن من أزماته الطاحنة لكونه من يبني سياسته وأهدافه التوسعية عن طريق زرع الفتن وإشعال الحرائق في البلدان العربية وذلك ما يتضح في الإصرار الإيراني على تحويل الساحة اليمنية إلى ميدان للصراع في المنطقة.. إذا انه وبعد أن وجد أقدامه قد ترسخت في العراق وسوريا ولبنان اتجه إلى زعزعة وحدة اليمن الداخلية عبر استخدام من يلتقون معه وتتوافق أهدافهم مع أهدافه من القوى الانفصالية في تعميم الفوضى والاضطراب الأمني والسياسي من شمال هذا البلد وحتى آخر نقطة في جنوبه.
والأدهى من كل ذلك ما كشف عنه الرئيس عبدربه منصور هادي خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، فقد أشار إلى أن إيران لم تكتف فقط بزرع الشبكات التجسسية في اليمن، بل اتجهت إلى تقديم الدعم السياسي والعسكري والمالي لقوى الحراك الجنوبي المسلح بهدف تمزيق اللحمة الوطنية وتهديد المجتمع بالانفراط وخلق حالة من الفوضى في اليمن تسمح لإيران بتوسيع نفوذها في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي وتعطيل الملاحة الدولية وإثارة القلاقل في المنطقة عموماً.
وتتضح أبعاد الدور الإيراني أكثر في الهجوم المركز الذي تتعرض له الوحدة اليمنية اليوم من قبل فريقين انفصاليين الأول يدعو إلى فك الارتباط الفوري بين الجنوب والشمال والثاني يطالب بالعودة إلى عهود التشطير البائدة خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات .. وبطبيعة الحال فلسنا بحاجة للسؤال عن ماذا تريد إيران من اليمن لان أجندتها وأهدافها مكشوفة وواضحة .. ولكن ما يستحق السؤال بالفعل هي الأحزاب والتنظيمات السياسية في اليمن التي لم يصدر عنها حتى الآن أي موقف واضح من هذا التدخل الإيراني السافر في شئون اليمن، حيث وان هذا الموقف المتخاذل والسلبي لا يتم سوى عن أن هذه الأحزاب لم تستوعب حتى الآن مسئولياتها تجاه وطنها وشعبها وإنها مازالت غارقة في فكر الحزب المغلق على مصالح أتباعه ولا يهمها أمر هذا الوطن والأخطار التي تتهدد أبنائه .
ومن هذا التصور البسيط والمبتسر جداً كيف لنا أن نطمئن إلى أن هذه الأحزاب لن تفرط ابداً بالثوابت الوطنية ولن تساوم على الوحدة ولن تقبل ابداً بالدعوات الانفصالية والمشاريع التمزيقية والمخططات الخارجية التي تسعى إلى تفتيت اليمن إلى دويلات متناحرة، فيما مواقفها اقرب إلى الانتهازية منها إلى الوطنية؟
وكيف نثق أن هذه الأحزاب ستحافظ على اليمن من السقوط في مهاوي الصوملة أو العرقنة أو الأفغنة وأنها ستتصدى لكل آفات الفتنة والتشرذم والتشطير والمتواطئين مع هذه المشاريع الخبيثة ونحن نجدها تقف في المنطقة الرمادية وتقوم بإمساك العصى من المنتصف على الرغم مما في هذا التعامل من تناقض صارخ وانفصام في الرؤية والشخصية.
إن اليمن اليوم على مفترق طرق وما على الذين يختلقون الذرائع والمبررات لنفسهم إلا أن يراجعوا مواقفهم السلبية والملتبسة والخاطئة حتى يكونوا مع وطنهم قبل فوات الأوان.
أما دعاة الانفصال أمثال علي سالم البيض وحيدر العطاس وغيرهم أفلا يخجلون من أنفسهم وهم يذرفون دموع التماسيح على جنوب اليمن مع أنهم الذين يدركون جيداً أن مشكلة الجنوب الحقيقية لم تكن في الوحدة بل فيهم حينما حكموه بالحديد والنار ونهبوا أموال أبنائه وبيوتهم باسم التأميم واستحلوا دماءهم وسحلوا علمائهم باسم الرجعية ولم ينجزوا أي مشاريع تذكر وما أن فرغوا من أبناء الجنوب حتى بدوا بتصفيات رفاقهم في مجازر دامية وكارثية كان آخرها مجزرة أحداث 13 يناير 1986م التي ذهب ضحيتها أكثر من 20 ألف شخص ، ومتى يعلم هؤلاء وأمثالهم أن الوحدة اليمنية إرث لكل اليمنيين دون استثناء ومن خلالهم لكل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج وأن التغاضي عن كل صوت مؤيد للانفصال ومروج له يعد جريمة أخلاقية ووصمة عار لا يمر عليها الزمن ولا يمحوها الغفران .. وبالتالي فان كل الدعوات والحركات المطلبية اليمنية تكون عادلة ومحقة في ظل الوحدة وباطلة ومشبوة إذا ما ارتبطت بالانفصال.
وانطلاقاً من الواجب الديني، فإننا ننصح إيران التي تلعب بورقة الانفصال وتدعم الانفصاليين من أنها وما لم تتوقف عن هذه اللعبة الخطيرة، فان الخراب سينتقل إليها وإنها ستحصد نتائج هذا الخراب عاجلاً أم أجلاً.
علي ناجي الرعوي
اليمن .. أين يقف اليوم؟! 2231