اطلعت أثناء تصفحي لجريدة الوطن الكويتية في موقعها الالكتروني على مقال بعنوان (نجاح مؤتمر الحوار الجنوبي رغم الصعوبات) للكاتب علي حسن كرم, تناول في ثناياه عدداً من الرسائل المثيرة للانتباه بما حملته من أفكار عدائية للوحدة اليمنية وجهل صارخ بفقه التاريخ والجغرافيا واعتساف متعمد للتمازج الاجتماعي والثقافي والحضاري القائم في هذا البلد الذي تنتسب إليه معظم القبائل والعشائر الكويتية ومنها على سبيل المثال قبيلة (العجمان) وهي من أشهر القبائل الكويتية التي تعتز أيما اعتزاز بانتمائها إلى يام وقبيلة همدان اليمانية.
وقد يكون مفاجئاً للكثير من اليمنيين أن يصدر مثل هذا الموقف المعيب الذي (يشرعن) لانفصال بلادهم ويدعو أبناء الشمال إلى التخلي عن الوحدة مع الجنوب طواعية, باعتبارهم ليسوا أكثر من (محتلين), من كاتب كويتي وفي صحيفة تصدر في الكويت الذي لا شك وأنه يحتل مكانة خاصة في قلوب أبناء الشعب اليمني الذين ظلوا ينظرون لهذا البلد الشقيق وشعبه وقيادته بكثير من الود والتقديروالامتنان عرفاناً منهم بتلك المواقف الأخوية والصادقة والمشرفة التي سجلها الأشقاء في الكويت بوقوفهم إلى جانب إخوانهم في اليمن في أحلك الظروف وأشدها صعوبة منذ اللحظات الأولى لميلاد الثورة اليمنية (26 من سبتمبر و14 من أكتوبر) وهو ما تجسد في المساعدات الكويتية السخية لليمن في المجال التنموي ومشاريع البنى التحتية والمدارس والكليات والمستشفيات وغيرها وعلى امتداد اليمن شمالاً وجنوباً قبل وبعد إعادة تحقيق وحدته المباركة, حيث ظلت الكويت تتعامل مع اليمن كوطن واحد لقناعتها وإيمانها الراسخ بأن وحدة هذا البلد العربي هي الأصل وما دونها هو الاستثناء.
وكنت سألتمس العذر لهذا الكاتب لو أنه انتقد خطايا السياسات التي اتبعت في المحافظات الجنوبية بعد حرب صيف 1994م وما تولد عن تلك السياسات من سلبيات مست حياة أبناء هذه المحافظات ودعا إلى معالجة تلك الأخطاء وتصحيحها على أساس من الإنصاف والعدل والمساواة, على اعتبار أن تلك الأخطاء هي نتاج الممارسات ولم تكن بفعل الوحدة بأي حال من الأحوال ولكن الواضح أن ما جاء في مقال الكاتب الكويتي لم يكن عفوياً, فهو يندرج في إطار الحملة الموجهة ضد الوحدة اليمنية ويمكن استجلاء هذه الحقيقة من ذلك الطرح الاستلابي الذي امتلأ به هذا المقال والذي يرى صاحبه أن الحل يكمن في تفتيت اليمن وتشتيت شعبه في عدة جزر معزولة لا رابط بينها, بل وإنه وإشفاقاً علينا يطالب الجنوبيين بالمضي في مشروعهم التحرري حتى نيل الاستقلال من الاحتلال اليمني, كما ويطالب الشماليين بالمسارعة إلى فك الارتباط والتنصل عن الوحدة حتى يتجنبوا الكارثة.
مؤلم ومؤسف ما نسمعه وما نراه من بعض الأشقاء الذين اختلط عليهم الأمر حتى باتوا لا يميزون بين الحق والصواب وبين مصلحة الأمة وخرابها وهم بذلك يلخصون افضع حالات التردي التي تمر بها شعوبنا وأمتنا في هذه المرحلة الصعبة من تاريخها المعاصر.
وأسأل مثل هؤلاء الذين يظهرون علينا برداء الاتقياء والناصحين: أليس قيمة المرء فيما يعلنه وفيما يعتقده ويؤمن به من المبادئ والقيم؟ وإذا كان الأمر كذلك فأي قيمة لإنسان يدعو إلى تمزيق أوطان أمته؟ أفلا يتعظ هؤلاء مما أصاب الصومال ومما لحق بالعراق والسودان وما يحدث اليوم من نزيف للدماء في سوريا؟..
كما أسأل هؤلاء العرب الاقحاح إن كانوا قد تفكروا يوماً بحكمة الأوروبيين وهم يقيمون اتحادهم فوق الأرض من أجناس وألوان وأديان وملل ونحل متعددة وكيف أصبحوا بفضل الوحدة قوة سياسية واقتصادية وبشرية يشار إليها بالبنان فيما نحن نزداد فرقة وتشرذماً وضعفاً رغم امتلاكنا لكل خصائص التوحد؟!.
أليس من المخجل أن نجد بين ظهرانينا من يستخدم حرية الرأي والتعبير؛ ليس لتنوير الأمة بمقاصد الخير والتكامل والتعاضد وإنما لتزيف الوعي وزرع الفتن وإذكاء النعرات وتسويق مشاريع التمزق والخراب.. بل إنهم من يتمنون علينا أن نطوي أوراقنا ونكسر أقلامنا ونكمم أفواهنا حتى لا نشوش على أفكارهم الموغلة في الحقد والكراهية والعداء على كل ما يحفظ لهذه الأمة وحدتها وكرامتها وعزتها وحضارتها وحقها في الظهور والتطور والعيش الكريم؟!.. ومصيبتنا أكبر في اليمن ونحن نجد أشقاء لنا ومن أبناء جلدتنا ينتظرون اللحظة التي نتمزق فيها ونقتتل ونسفك دماء بعضنا بعضا.
علي ناجي الرعوي
لماذا يحرض بعض الأشقاء على الانفصال في اليمن؟! 2622