مخلف عصيب! وعلى الشعب كئيب! وهو من الفوضى قريب! ومن اقترب منه أُصِيبَ باللهيب!.. ذلك ما خلفه النظام السابق من موروث سيء وعيوب وفساد في القوانين وتناقض وتصادم بين نصوصها. فهذا قانون التوثيق اليمني رقم (7) لسنة 2010م تحت توقيع الرئيس السابق فيه من العيوب الجوهرية ما يجعلك تثق بان اليمن كانت تسير وفق أهواء وأمزجة ورغبات لا وفق نظام وقانون ومدنية فالقانون في مادته الثانية يتبع (وزارة العدل ) وهي الوزارة التي كان يفترض على وزيرها وقيادتها آنذاك قبل صدور هذا القانون وغيره من القوانين التابعة لها أن تسهم في وضع النصوص القانونية التي تحقق العدالة وتزيل غياهب الظلام وترقى بالوزارة والعمل القضائي نحو الأفضل وبما يحفظ للمواطنين حقوقهم ويوفر لهم الأمن والاستقرار، فالعدالة المجتمعية لا تتحقق إلا بعنصرين هما القضاء الجالس وهم (القضاة) والقضاء الواقف وهم (المحامون) ومن العيب والخزي لأي نظام وفي أي بلد أن تكون قوانينه معيبة وتستمر في ذلك ولا تعدل وتتطور وتواكب المستجدات، فقانون المحاماة رقم (31) لسنة 1999م نظم مهنة المحاماة وخص المحامين دون غيرهم بالمرافعة أمام المحاكم كما خصهم أيضاً (بتحرير العقود وتوثيقها) وقد صدر تحت توقيع الرئيس السابق ذلك أن المحامي في درجة "قاضي واقف" وما يقوم به من تحرير المستندات وتوثيقها تكون مستوفية لأركانها وشروط صحتها الشرعية والقانونية بعكس ما لو صدرت من شخص غير محامي فمعظم المشاكل الموجودة في المحاكم بين الخصوم ناتجة عن جهل بعض الكتّاب في أحكام التوثيق ولان معظمهم ورث (المأمنة) عن أبيه وجده، فكثير منهم لا يعرفون أصول الكتابة وبعضهم يكتب له غيره.
وقد نصت المادة (60) محاماة (بأنه يجوز للمحامي تحرير العقود وتوثيقها أمام الجهات الرسمية المختصة)، لكنك ترى العجب في قلم التوثيق، حيث تجدهم يقومون بتوثيق محررات مكتوبة بخط غير المحامين كالأمناء المشار إليهم سلفاً وإذا ما كانت محررة بخط محامٍ فيُطلب من صاحب المحرر إحضار الموقعين عليه للمصادقة ويتم توثيقه على ضوء ذلك وعندها يُصاب صاحب المحرر بالخيبة ويتساءل مع نفسه من الجدير بتوثيق المحررات المحامي أم غيره؟ لكنه يرد على نفسه بالحال قائلاً: نحن في بلد بلا نظام والحقيقة أن ما يحدث مخالف للشرع والقانون وقواعد العدالة، فمن حيث المخالفة للشرع قال تعالى (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ) وقال أيضاً (وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كاتِب بِالْعَدْلِ وَلا يَأْب كاتِبٌ أَن يَكْتُب كمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكتُب وَ لْيُمْلِلِ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ).
إذن فمن هو صاحب العلم والمعرفة والاطلاع والمتصف بالعدالة؟ومن هو المؤهل والعارف بأمور الشرع والقوانين؟ لا شك ولا ريب انه المحامي، كما أن قواعد العدالة تقتضي أن يكون تحرير العقود لدى المحامين والعلماء والى جانبهم أمناء المناطق وإذا كان سند قلم التوثيق هو المادة (8, 12) من قانون التوثيق، حيث يزعمون أنهما قصرتا التحرير والتوثيق على قلم التوثيق بالمحاكم والأمناء والحقيقة أن المادتين لم تستبعدا تحرير وتوثيق المحامين. وإذا كانت المادة (8) قد اشترطت في العاملين بقلم التوثيق حصولهم على مؤهلات جامعية في الشريعة والقانون أو الحقوق وغيرها من الشروط الأخرى فهذا شيء جميل لكن المادة (12) لم تشترط في الأمين ما اشترطته المادة (8) في موظف قلم التوثيق ولم تشترط حصوله على مؤهل جامعي وإنما اشترطت فيه تسعة شروط منها ما ورد في الفقرة (د) "أن يكون الأمين ملماً بأحكام المعاملات الشرعية والأحوال الشخصية وقوانين الإثبات والرسوم والضرائب العقارية والسجل العقاري والمساحة". وهذا الشرط غير محقق في الواقع، ففاقد الشيء لا يعطيه ولن يتوفر ما سلف بيانه في الفقرة المذكورة إلا في المحامين أو من يماثلهم والمادة (12) بحاجة ضرورية ماسة إلى تعديلها وذلك إلى الآتي:(مع مراعاة من ذكرتهم المادة (8) يتولى تحرير العقود وتوثيقها كل من :
1ـ الأمناء المرخص لهم من وزارة العدل.
2ـ المحامون المعتمدون المقيدون بالجدول العام والمرخص لهم في مزاولة مهنة المحاماة).. ثم يتم إضافة بقية الشروط المبينة في المادة المذكورة، فمن العيب كل العيب أن يظل قانون التوثيق بعيوبه السابقة دون تعديل.
ولما كان المحامون مجازين في قانون المحاماة بتحرير وتوثيق العقود على نحو ما ذكرنا ولا يوجد في قانون التوثيق نص صريح يمنع المحامين من ذلك ولا يجوز منع المحامين من التحرير والتوثيق بأي حال من الأحوال، فالمحامون المدافعون عن حقوق الإنسان بحاجة اليوم إلى من يدافع عن حقوقهم وجدير بنقيب المحامين اليمنيين الأستاذ المحامي (عبد الله محمد راجح) ومجلس النقابة أن يتولوا ذلك الدفاع ويقومون بمطالبة وزير العدل في حكومة الوفاق القاضي (مرشد العرشاني) بإصدار (تعميم) يتم توزيعه إلى قلم التوثيق في محاكم الجمهورية باعتماد كل ما يحرره المحامون وتوثيقه، فمعظم القوانين معيبة لاسيما وأنها صدرت في ظل نظام هش كان يبعث أولاده للتعليم في دول العالم الخارجي الراقية، أما أبناء الشعب فإن النظام السابق قد أضاع حقوقهم وعمل على تفشي الجهل والأمية فيهم حتى لا يفتحوا عيونهم نحو طلب الإصلاحات والتعديل في السياسة والتغيير في نظام الحكم وقد استمر النظام السابق في سياسته تلك حتى طفح الكيل وثار الشعب ضده فأسقطه.
وها نحن اليوم في مرحلة جديدة يتم فيها تعديل الدستور والقوانين وصياغتها بطريقة تتناسب مع بناء الدولة المدنية الحديثة التي قامت الثورة الشبابية من أجلها.
أحمد محمد نعمان
المُحَامُونَ وَمَعْرَكَتُهُمْ مَعَ قَانُوْن التّوْثِيْق!! 2729