نحن كشعب يمني مظلوم يرتشف البؤس كل يوم نحلم كثيرا بعيد نشعر بجماله وبفرحته دون منغصات، منذ عقود ونحن نفتقد إلى عيد ترتسم فيه البهجة على وجوه الكبار والصغار بعد أن تلاشت البهجة حتى في وجوه الأطفال .
تتحول الأعياد إلى مآسي عدة مركبة ومعقدة تقود إلى عدم اعترافنا باي عيد
كيف لا ورب الأسرة يبدأ بالتآكل من الأعماق وهو يفكر بسبيل إلى تغطية متطلبات العيد المتعددة والتي تكسر الظهر .
هناك قصة قديمة متداولة عن زيارة أجنبية إلى اليمن كانت تسأل كل يمني عن أحواله ومعيشته فصادفت أن أرباب الأسر لديهم عدة أبناء في المدارس والجامعات وأن هؤلاء الأرباب يستهلكون فقط على القات نصف رواتبهم وبينما هي غارقة بالتفكير عن بقية المتطلبات التي لا يغطيها عشرة أضعاف الراتب "اليمني" تساءلت كيف إذاً تعيشون؟ فما كانت الإجابات المتكررة سوى "على الله" حينها لم تترد هذه الأجنبية سوى الاعتراف لكل بلد تزوره بأنها لم تجد الله سوى في اليمن، مصورة كيف أن هذا الشعب لا أحداً يعطيه حقه ولا هنالك من ينتصر له ووصولاً لظلم اليمني لنفسه لإكمال ما تبقى من صورة الظلم .
العشر من ذي الحجة خير الأيام ولكن في اليمن لا تعدوا سوى أكثرها "هماً وغماً" إذ تصل حالة القلق والهم بدلوفها إلى أعلى المستويات أمام صرخات حاجيات العيد، وإذا كانت هذه الأيام في بلدان أخرى تستغل في شتى العبادات من صيام وقيام ودعاء وذكر، ففي اليمن جهاد ما بعده جهاد .
مجرد التفكير باقتراب العيد يجعل منك رجل قد تقدم به العمر عشر سنوات للأمام، وأمام تطلع وإلحاح الزوجة والأولاد لتأمين حاجياتهم تستطيع هذه الأنظار والصرخات بكل سهولة أن تجعل منك رجلاً يمشي ويحدث نفسه ويصفق بيديه في الشوارع كل دقيقة، وكل ما لديك "على الله، الله كريم، وبيفرجها ربك".
في العشر من ذي الحجة تزداد حوادث السير ، وترتفع أسعار متطلبات الحياة وتهجر المنشآت الحكومية قبل موعد الإجازة الرسمية وتزدحم الطرقات بالناس والمركبات وتوقد القلوب شعلات ألم ممتد .
في العشر تشترى الألعاب النارية وتكثر القوارح ليس فرحاً، بل تأصيلاً لعادة سيئة وتذمراً من الوضع الذي يعبر الجميع عن رفضهم له بشتى الطرق والوسائل .
في نهاية العشر يدلف العيد وقد تجعجعت بما فيه الهوان لتأمين ما يسكت الأطفال ويستر الحال وفي يديك قائمة بديون تساوي خمسة أضعاف راتبك، لتقابل من تصادف بعبارة "عيد سعيد" الباردة والخالية من أي معنى .
* غصة وطن :
بين يديك قائمة تزيح النوم لأيام
وجيبك يا هذا بارد ..
من يفقه لغة العيد في وطني الموجوع؟
هذا الطفل الراكض خلف سراب الفرح..
يتوسل من قمر الدنيا دمية ..
صوت يأتينا مع الأعياد: يا بؤس الحال هلم.. هلم ولا تخجل ..
أحمد حمود الأثوري
العشر .. مخربات مزاج المواطن 1787