إن الاستبعاد أو التهميش لمواطن أو مجموعة من المواطنين بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الأفكار أو الطبقة الاجتماعية أو المستوى ألاقتصادي أو المنطقة الجغرافية، أو غير ذلك من الأسباب لهي وأد لفكرة المواطنة في مهدها. يعد إدراج بعض الهيئات القضائية مثل هيئة قضايا الدولة، والنيابة الإدارية ضمن السلطات القضائية والمادة 36 الخاصة بالمساواة بين الرجل والمرأة،ووضع مجلس الشورى(الغرفة الثانية للبرلمان) وحرية الإعلام، من أبرز المواد المثيرة للخلافات بين أعضاء الجمعية. ومسودة الدستور الجديد ترسخ للتمييز ضد المرأة، وتنص المادة 7 من الباب الأول للدستور (الدولة) حسب المسودة الثانية للدستور على أنه "يقوم النظام السياسي الديمقراطي على مبادئ الشورى والمواطنة التي تسوي بين كل مواطنيها في الحقوق والواجبات، والتعددية السياسية والحزبية، وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وكفالة الحقوق والحريات،.
وفيما يتعلق بالمادة 36 "لا يوجد عليها شائبة بدستور 1971 وتنص على مساواة المرأة بالرجل في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وبهذا نكون قد تناولنا فيها المجالات جميعا،فلا داعي لذكر سائر المجالات الأخرى ، وإذا تم ذكرها لابد من أن نتبعها بعبارة "بعدم الإخلال بأحكام الشريعة " لأن المواريث والزواج والطلاق تنظمه أحكام الشريعة وليست المبادئ وكان رأي الأزهر مسانداً لهذا التوجه. إن التوجه في الجمعية يميل إلى حذف المادة نهائيا ، لأن المادة الثانية من الدستور تنص على أن جميع المواطنين سواء أمام القانون ولا تمييز بناء على الجنس أو الدين، إذن لا محل لهذه المادة التي تعد في حد ذاتها تمييزا. وتنص المادة 36 من باب الحريات والواجبات العامة على، أن "تلتزم الدولة باتخاذ كافة التدابير التي ترسخ مساواة المرأة مع الرجل في مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وسائر المجالات الأخرى دون الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية..
أن الخلافات في الدستور على مواد محدودة، أبرزها المادة 36 من باب الحريات، وحولها خلافات بين القوى الليبرالية والإسلامية، وهي التي تتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبالنسبة لترشح المرأة لرئاسة الجمهورية "ليس مشكلة فحق الترشيح لرئاسة الجمهورية جائز للمرأة، والأصل أن الدستور يؤكد المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات،ولا يوجد تمييز بين المرشحين لرئاسة الجمهورية ، فأي مواطن سواء رجل أو امرأة، مسلم أو قبطي من حقه ترشيح نفسه.
1-إصرار التيار السلفي من ورائهم عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وحزبها حزب الحرية والعدالة في الإصرار علي تغيير المادة الثانية من دستور 1971 والخاصة بالشريعة الإسلامية بحيث تحذف كلمة مبادئ وتستبدل بكلمة أحكام. وإن التيار السلفي يصر علي هذا التغيير رغم أن الأزهر الشريف من خلال ممثله في الجمعية الشيخ حسن الشافعي اعتبر أن كلمة "مبادئ" هي التي تعبر أكثر من غيرها عن مجموع القواعد القطعية التي شرعها الله تعالى في القرآن والسنة النبوية الصحيحة، ولا تحتمل شكاً ولا تأويلاً، وليست بالتالي موضع اجتهاد ولا محل خلاف، ولا تتغير بتغير الأحوال أو الزمان أو المكان، بخلاف كلمة أحكام التي تعبر عن خلافات فقهية بشرية تتغير بتغير الزمان والمكان. أنه رغم الإثارة التي يبديها التيار السلفي حول المادة الثانية، وأتوقع أنه عند التصويت فإن الغالبية داخل الجمعية ستصوت على هذه المادة، كما جاءت في دستور 1971، والذي ينص على كلمة مبادئ وليس أحكامًا.
2- أن ممثلي السلفيين والإخوان قد تراجعوا عن مواد أخرى مثل حذف عبارة السيادة للشعب واستبدالها بعبارة السيادة لله، ومواد الزكاة إضافة إلى المادة الخاصة بالمساس بالذات الإلهية.
3- إن تيار الإسلام السياسي (وهو هنا أغلبية السلفيين والإخوان المسلمين) يحاول بشكل غير مباشر أن يفرض رؤيته التي تفرض بعض القيود على الحريات الممنوحة للمرأة وعلى المساواة بينها وبين الرجل وهو سبب إصراره على النص المقترح للمادة 36 من باب الحقوق والحريات الذي جاء نصه المصاغ كالتالي: ( تلتزم الدولة باتخاذ كافة التدابير التي ترسخ مساواة المرأة مع الرجل في مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وسائر المجالات الأخرى دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية. إن "هذا النص دار حوله جدل وصراع بين ممثلي تيار الإسلام السياسي وممثلي التيار المدني ، نرى أنه لا داعي لإضافة الفقرة الأخيرة من هذا النص طالما أن هناك نصاً جامعاً شاملا في الباب الأول المتعلق بمبادئ الدولة وهو النص الثاني الذي ينص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع لكن ممثلي التيار الإسلامي كانوا يبررون إصرارهم على بقاء هذه الفقرة من تخوفهم أن تمتد هذه المساواة فيما يتعلق بقانون المواريث مثلاً، وهذا ما لا يتصوره عقل.
4- إن هناك عدداً آخر من الموضوعات الأخرى الشائكة كوضع القضاء العسكري ووضع القوات المسلحة، وإلغاء أو بقاء مجلس الشورى ونسبة العمال والفلاحين، وسلطات رئيس الجمهورية، ووحدة القضاء. "إن هذه القضايا السابقة هي أبرز المعارك الحقيقية في الدستور والتي كانت معارك مؤجلة لغرض سياسي مفاده عدم بدء أعمال الجمعية بالاختلافات وتفضيل البدء بنقاط الاتفاق حتى لا تثير قلق وتوجس من يتابع الجمعية التأسيسية.
5- وهناك مشاكل أخرى تواجه التأسيسية أولها ما وصفه بذلك التكالب والتصارع من عدد غير قليل من مؤسسات الدولة لممارسة ضغط مجتمعي على الجمعية التأسيسية لتحقيق وضعية وخصوصية أفضل لها في الدستور وأبرز هذه الأمثلة بعض الهيئات القضائية مثل مجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية وهيئة الخبراء والطب الشرعي والنقابات العمالية ونقابات الفلاحين وغيرهم. ويوجد"مثال آخر وهو ذلك الضغط الذي وصل إلى حد التهديد بإجراءات تصعيديه من قبل إتحاد نقابات عمال مصر في حالة إلغاء نسبة الخمسين بالمائة المخصصة للعمال والفلاحين من المقاعد البرلمانية.
6- لجنة الصياغة في الجمعية التأسيسية يهيمن عليها تيار الإخوان المسلمين بتعديل عدد من المواد التي صاغتها لجنة نظام الحكم بحيث يتم تركيز السلطات في يد رئيس الجمهورية. بعد أربعة شهور من أعمال الجمعية التأسيسية يمكن تقسيمها لثلاثة اتجاهات أولها التيار المدني الذي يهتم بترسيخ الحريات والحقوق في الدستور الجديد بحيث يكون مواكباً للعصر وثانيها تيار السلفيين الذي يسعى لأسلمة الدولة ووضع دستور لدولة دينية متشددة بينما كل هم التيار الثالث وهو تيار الإخوان المسلمين هو تركيز السلطات في يد رئيس الجمهورية، إن هذه الرغبة من الإخوان جعلت من الإدعاء بأن الدستور الجديد يتبنى نظام رئاسي برلماني أكذوبة كبرى وأننا أمام نظام رئاسي متسلط مثلما كان الحال في السابق.
على الرغم من أن تحديد مدة الرئيس كان مما تناوله الكثير من الفقهاء العرب في الفقهين السياسي و القانوني، في المقابل لم يهتموا بنقل هذا القيد إلى كافة المناصب السياسية المنتخبة، وبالأخص أعضاء البرلمانات، حيث نرى في تطبيق نفس القاعدة عليهم أيضا وتحديد مدة شغلهم لمناصبهم، وإن كانت بصور أقل حدة وتشدداً عما هو مطبق على منصب الرئاسة؛ لمنع عملية الاحتراف السياسي التي فاقمت من الفساد السياسي السابق بصورة غير مسبوقة، ومنع احتكار التمثيل السياسي في نخبة قليلة العدد؛ كما نقترح كذلك وضع حد أقصى للسن للترشح للمناصب السياسية، كما هو موجود بشأن الحد الأدنى للترشيح؛ بما يدعم تداول السلطة، وتجددها الدائم على مستوى الأحزاب والسياسيين.
د. عادل عامر
نقاط الخلاف الست داخل اللجنة التأسيسية للدستور 2995