صنعاء تبدو كعجوز تخلى عنها أولادها إذ يبدو من سكونها هذا العصيان الذي تواجه به، تغمض عينيها هذه المدينة على فراغ لا منتهي ووحشة تجبرك على الإنكفاء في زاوية بعيدة تحت لحاف البؤس.
كل من توجه إليه سؤال عن كيفية العاصمة في أوقات العيد، يرد كم أنا متشائماً من وقت ما بعد المغرب إذ تغدو أكثر وحشة في هذا الوقت.
كنت قد أشرت في مقال سابق عن المخططات التي تنبأت بها إحدى وكالات الأخبار العالمية بعزم أحد الأطراف تطويق صنعاء وإستغلال نزوح الناس منها في فترة العيد، وهاهو العيد يطوي أيامه ولا أحد يدري ما هي المؤامرات التي تحاك في حق الوطن.
جميعنا يؤمن بأن محبة الوطن تسير في منحى متضاءل أمام سطوة أشعة الكراهية التي يزداد بريقها، وهذا ما يجعل المواطن اليمني في قلق وجودي دائم ينتظر ما تفرزه الكراهية من جرح جديد في قلب الوطن ليندب حظه ويشجب ويصرح برفضه.
مشغولون في مواجهة مشاكلنا التي تتكاثر بسرعة الفجيعة والبؤس وتناسينا ملذات الدنيا المحللة وصولاً لتصبح أعيادنا أشبه ما تكون بهم جميعاً يقرب بآجالنا.
منذ شهر وأنا في العاصمة، وفاء لها في الفترة التي يعقها أبنائها، آثار إنتباهي غياب الكلب الذي يترصد للمارة لملاحقتهم في بداية الحارة ! لم أره طوال أيام العيد وصرت على يقين بأنه غادرها أيضاً عندما وجد السكون مخيم على الأرجاء.
لا صوت هنا سوى لقوارح يتسلى بها كل طائش لسبب أو لدونما سبب، قوارح تعبر عن هم العيد، قوارح تنم عن عرس في الحارة المجاورة، وقح بووم لإشباع رغبة أحد الشياطين.
دوماً أتساءل لماذا لم نعد نحب هذا الوطن؟ أين محبوه؟ أين هم؟
* غصة وطن :
كدت أنسى أن لي قلباً خفوق بين جنبي
كدت استلقي على صحراء يأسي
يا لغيثا لم يزرني ! أجدبت أرض بها عانقت حلمي
ثم خانتني الأماني رغم شح الفرح في تاريخ عمري
وانطوت ذكرى رحيل العمر مظلوماً يغني
كدت أنسى أن لي قلباً خفوق بين جنبي
أحمد حمود الأثوري
مدينة يغسلها الجحود 1785