ما ينبغي أن يكون واضحاً أنه وفي ظل استمرار هذه الإشكاليات المستعصية فإن المشهد الأفغاني قد يتكرر في اليمن؛ وذلك ما يسعى إليه تنظيم القاعدة منذ اندماج عناصره المتطرفة في اليمن ودول المنطقة بكيان واحد عُرف باسم (تنظيم القاعدة في جزيرة العرب).
دخلت الحرب على الإرهاب في اليمن عامها الثالث عشر في لحظة ساخنة ارتفعت فيها حدة المواجهات بين القوات الحكومية وعناصر تنظيم القاعدة في أكثر من ساحة وأكثر من محافظة يمنية وهو ما يعني أن هذه الحرب صارت من التعقيد بما لا يمكن ربط نهايتها بزمن محدد أو توقيت معين خصوصاً وأن جميع الوقائع الماثلة على الأرض لا تحمل أي مؤشر يدل على اقتراب هذه الحرب من مرحلة الحسم وتطهير التراب اليمني من رجس الإرهاب والتطرف وعناصره الباغية والحاقدة التي ظلت طوال السنوات الماضية تتستر بأقنعة الزيف والتضليل وتتسربل زوراً وبهتاناً بالدين الإسلامي الحنيف حتى يتسنى لها التغرير بالشباب وصغار السن والانحراف بهم وتحويلهم من طاقات بناء إلى طاقات تدميرية وقنابل متفجرة ومليشيات عمياء مغسولة العقول والأدمغة تتقرب إلى الله بالقتل وسفك دماء الأبرياء ونشر الخراب وإهلاك الحرث والنسل.
وبالوقوف على حقيقة هذه الحرب ـ التي فرضت على اليمن عقب الهجوم الإرهابي الذي استهدف المدمرة الأميركية "يو- اس- اس" كول في اكتوبر عام 2000م قبالة شواطئ مدينة عدن وهي الحادثة التي سبقت تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة بأقل من عام سنجد بأن تلك الحرب قد استنزفت الكثير من طاقات وقدرات هذا البلد الذي تطحنه عوامل الفقر والتخلف والبطالة وتسببت في سقوط الآلاف من أبنائه وأدت إلى جملة من المآسي والكوارث التي لو أنها قد حدثت لأي مجتمع آخر لهب العالم بأسره إلى مؤازرته ومساندته ومده بكل أشكال الدعم حتى يتجاوز محنته وربما كان ذلك سبباً جوهرياً في الإحساس الذي ينتاب اليوم معظم اليمنيين والذين يشعرون بأن بلادهم صارت هي (كبش الفداء) في الحرب على الإرهاب والتي كانت وحتى الأمس القريب عملاً أممياً تشارك فيه جميع الدول بدون استثناء باعتبار أن الإرهاب هو آفة دولية عابرة للقارات وان المجتمع الدولي قد خذلهم حينما تخلى عن مسؤولياته تجاه اليمن التي تخوض حرباً مفتوحة منذ عدة سنوات ضد الإرهاب وآفته الخبيثة التي يصعب على أي دولة منفردة مواجهتها.
ويزداد هذا الإحساس تعمقاً لدى اليمنيين وهم يرون إن الدعم الدولي لبلادهم في هذه الحرب قد اقتصر على التعاون القائم مع الولايات المتحدة الأميركية في ميدان تبادل المعلومات الاستخباراتية والتأهيل والتدريب والضربات الجوية التي تنفذها طائرات أميركية بدون طيار رغم إدراك
جميع الدول الغربية أن كبح جماح هذه الآفة يتطلب مواجهة شمولية لا تقتصر على الجانب الأمني وحده وإنما تشمل مجالات أخرى على رأسها المجال الاقتصادي والتنموي والتعليمي والإعلامي والديني والتي تعد من أهم المداخل للمتطرفين واستحواذهم على عقول الضحايا ودفعهم إلى محارق الإرهاب.
وما ينبغي أن يكون واضحاً انه وفي ظل استمرار هذه الإشكاليات المستعصية فإن المشهد الأفغاني قد يتكرر في اليمن وذلك ما يسعى إليه تنظيم القاعدة منذ اندماج عناصره المتطرفة في اليمن ودول المنطقة بكيان واحد عرف باسم (تنظيم القاعدة في جزيرة العرب) حيث تم تعزيز قدرات هذا التشكل الجديد بمجاميع إرهابية تم استقدامها من أفغانستان والعراق وبلدان أخرى ومن بين تلك المجاميع عناصر خبيرة في صناعة المتفجرات وتفخيخ المركبات والسيارات وتجهيزها لقتل اكبر عدد ممكن من جنود القوات المسلحة والأمن واغتيال العشرات من القادة العسكريين والأمنيين ومسئولي التحقيقات والتحري في الأجهزة الأمنية بأمانة العاصمة وعدن ومحافظات أخرى.
وبالفعل فقد لوحظ أن التفجيرات والاغتيالات التي قام بتنفيذها تنظيم القاعدة في الأشهر الأخيرة قد جرت وفق احدث أساليب الجريمة المنظمة أكثر من كونها عمليات انفعالية أو ردود أفعال على بعض الإجراءات المتخذة بحق متورطين أو ضالعين بأعمال إرهابية من عناصر هذا التنظيم الإجرامي كما يبدو جلياً إن من يقومون بهذا العنف والتدمير لا يستهدفون فقط إلحاق الأذى باليمن وشعبه بقدر ما يسعون إلى إضعاف مقاومته مستفيدين من الصراعات والانقسامات والإشكاليات التي يعاني منها هذا البلد في بلوغ أهدافهم الدنيئة في أن تصبح اليمن بؤرة مركزية يستطيع من خلالها تنظيم القاعدة نشر الفوضى في المنطقة بأكملها وكذا السيطرة على مضيق باب المندب وإقلاق الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن والانتقال بأنشطته إلى مناطق وأماكن بعيدة هي ابعد ربما من حسابات أولئك الذين اطمئنوا أن الإرهاب قد استدار شرقاً وان جيلاً جديداً من المتشددين قد نشأ على أيدلوجية تؤمن بأن الطريق إلى دولة الخلافة الإسلامية يبدأ بتحرير البلدان العربية من الطواغيت وإخضاعها لراية الجهاد.
ولا أظن أن الغرب ـ الذي يغض الطرف عما يصنعه الإرهاب في اليمن بشكل خاص والشرق العربي والإسلامي بشكل عام ـ قد عقد (صفقة القرن) مع الإرهاب وجلاوزته ورموزه وصار مطمئناً من شر هذه الآفة و لم يعد يستهدفهم، وإذا كانت الدول الغربية تعتقد ذلك فعليها أن تنتظر ما ستأتي به الأيام وبما سيفصح عنه الإرهابيون الذين يعتبرون جميع سكان الأرض خارجين عن عقيدتهم، وقد احلوا قتلهم باعتبار ذلك جهاداً في سبيل الله ومثواهم في ذلك الجنة.. وأمام كل ذلك فليس من مصلحة الغرب ولا غيره أن يبقى اليمن وقوداً لنار الإرهاب.
علي ناجي الرعوي
اليمن.. (كبش الفداء) في الحرب على الإرهاب 2224