عبر تاريخ الثورات والتحولات الإنسانية الكبرى، يحاول الماضي أن يتنفس نفسه ليخدم كهان الحاضر، الذين يسعون لإعادة إنتاج صراعات التاريخ في قلب الحدث الجديد لأنهم يدركون أنه يسعى لنفي الترسانة التي لا يمكن بدونها أن يكونوا فاعلاً مهيمناً.
ويلعب الماضي لعبته ويتلبس بالجديد شكلاً لا مضموناً ويمارس الخداع على القوى الجديدة المتقدمة باتجاه انتصار الإنسان.
وقد يتمكن الماضي من الانتصار ويفرض وجوده عبر الكتل الشعبية التي مازال الماضي يقتاتها وهي وقود للكهان الماضين لتدمير المستقبل باسم الدفاع عن الحق.
وتكون سطوة الماضي شديدة عندما يتم إعادة إنتاجه عبر نخب تبدو أنها جديدة وهي في الكهف تعيش أحلامها وأساطيرها، وهي الوجه الآخر لكهنة الماضي.
وعادة ما يتمكن الماضي وكهانه من فرض هيبتهم ويعيقوا تقدم الإنسان باتجاه الحرية في المراحل الأولى للتحولات وباسم المستقبل إلا أن الماضي وكهانه مع الوقت وبالذات عندما يحسوا بسطوتهم فإنهم يدفعون الماضي ليشرعن لوجودهم وعندئذ يتقيأ الماضي أبشع ما فيه وما في الحاضر فيفضحوا أنفسهم في لحظة نزق القوى الجديدة وتراكم قوتها.
وبمجرد انكشاف صورته ـ التي هو عليها ـ تبدأ دورة جديدة من الهدم للماضي عبر قوى التنوير.
قد يطول أمد الهدم إذا كان الجهل متفشياً ومسنوداً بكهان لهم خبرة طويلة في إدارة الصراعات وتمكنوا من توظيف الأدوات الجديدة في تعمير الأساطير، ويفرضوا وجودهم بالقهر المادي والفكري والمعنوي كلما كانت قوى التنوير مشتتة وتنازعها المصالح الخاصة وقدرتها على البناء منهكة في صراعات بينية.
ومهما يكن فإن حركة التاريخ لا يمكنها أن تتوقف وكلما زاد وقود حركتها بفعل التغييرات المتلاحقة ابتلعت الماضي ورمته إلى حواشي الأحداث لتصبح الحرية هي النور الذي لا يمكن لأحد مقاومته أو الانتصار عليه وعندئذ ينتصر الإنسان على أغلاله ليصبح مجده أفقاً مفتوحاً ولانهائي!.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
خداع باسم الحرية
كيف بإمكاني أن أعترف بالآخر الذي يسعى بتقنيات مزورة ومخادعة باسم الحرية التي تقبل الآخر وهو يريد نقيي إلى عبودية تقدس ذاته وتلغيني، وهو يبني قوته كل يوم ليجعلني عبداً في مزرعته.
كيف بإمكاني أن أقبله وهو يستنشق الماضي بتفاصيله الأسطورية ليزيف عقل إخواني ويحولهم إلى عبيد وخناجر ليقضي على حريتي، حريتي أن أدافع عن الحرية ضد أعدائها حتى لا يصبح الإنسان عبداً لأخيه الإنسان باسم الله الذي جعل الحرية والمساواة والعدل أنشودة وجودنا!!!
عن صفحته في "الفيس بوك"
نجيب غلاب
تدمير المستقبل باسم الدفاع عن الحق 1933