الوضع الأمني المتردي في البلد لا يسر أحداً، سِوى من (استُنقذت) السلطة من أيديهم بفعل الثورة الشعبية، والذين يريدون إشعار الناس بأنهم كانوا في أمنٍ وأمان في عهدهم البئيس، وعصابات الإجرام التي تسرح وتمرح بلا حسيب أو رقيب، وبكل وقاحة وصفاقة وقلة حياء!.
ثاني أيام العيد كنتُ على موعدٍ مع أحد مشاهد مسلسل الانفلات الأمني الذي لم تنتهي حلقاته بعد، فمع عودتي مع ثلاثة من رفاقي من مدينة يريم إلى الحالمة تعز الساعة الواحدة بعد منتصف الليل كان هناك من ينتظرنا على جنبات الطريق، وحين أكملنا نزول (سُمارة) وبالتحديد في (مفرق حُبيش) تعرضت لسيارتنا عصابة غادرة مكونة من ستة أشخاص جميعهم يحملون السلاح، وربما كان هناك من يراقب من بعيد لتوفير الحماية لهم في حالة حدوث شيء، وحينما رأيتهم (ملثمين) جميعاً أدركتُ على الفور أنهم (قُطَّاع طُرُق)، وبتوفيق من الله ودعاء الوالدين قمتُ بإخفاء تليفوناتي وبعض أغراضي بحيلة وبسرعة، وفوراً وجه جميعهم أسلحتهم نحونا، طالبين منا النزول من السيارة، ترجلنا من السيارة فإذا بهم يضعون أسلحتهم فوق رؤوسنا مباشرة، وبدؤوا بتفتيشنا جميعاً، ونهب كل ما نملك في تلك اللحظة، كل ذلك جرى في ثواني مجنونة كادت تعصف بعقلي الذي لم يكن يتخيل أن هناك في بلد الإيمان والحكمة الذين هم أرق قلوباً وألين أفئدة من يفعل هذا بهذه الطريقة البشعة في ظل غيابٍ (أبشع) للنظام والقانون والدولة بمؤسساتها المختلفة، ولم أعِ ما يحدث إلا بعد أن طلبوا منا الصعود إلى السيارة والمغادرة بسرعة، حاول أحد من كانوا معي التحدث معهم، فقام أحدهم بفتح (أمان) السلاح فوق رأسه وهدده بتفجير رأسه، وعلى مضضٍ انطلقنا ونحن مذهولين مما حدث، لنتوقف بعدها بمسافة قليلة لنتفقد ما فقدناه، ولنحمد الله على العافية..فكانت حصيلة ما تم نهبه منا مبلغ مالي يفوق المائة ألف ريال، إضافة إلى بعض تلفونات أصدقائي، وأغراض أخرى، عزينا أنفسنا بأن المال لا يهم وأنه إلى زوال، وحمدنا الله أننا لا زلنا بخير، وقلنا العيد عيد العافية!.
وقبل أن نواصل طريقنا لفت أنظارنا أن هناك سيارة أخرى واقفة في نفس مكان التقطع الذي حدث لنا، لأن المسافة التي تفصلنا عن ذلك المكان كانت بسيطة، فقررنا أن نعود ولو قليلاً علنا نستطيع إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولمعرفتنا أيضاً أنهم سيخافون عندما يرون ضوء أي سيارة قادمة نحوهم، وفعلاً حدث ما توقعناه، ففور رؤيتهم لمصابيح السيارة تتجه نحوهم لاذوا بالفرار جميعاً، وانطلقت السيارة التي كانت واقفة ونحن معها، وقفنا بعدها على جانب الطريق لنطمئن على سلامة من في السيارة الأخرى، وعندما نزلتُ إلى تلك السيارة لاحظتُ أنها سيارة لمغترب يمني في السعودية، ورقم السيارة أيضاً كان سعودياً، كان رجلاً وامرأته... تقطع ونهب واعتداء حتى على العوائل، كانت المرأة مذعورة بشكل لا يُصدق، تبكي وبكاءها يُشعرك بالمرارة والحسرة، وقد أنساني بكاءها ما كنا واقعين فيه نحن قبل دقائق مما حدث لها ولزوجها، وعندما كلمتُ الرجل تبين لي أنهم نهبوا منه مبلغ ثمانمائة دولار، وكانوا قد هددوه بنهب (ذهب) زوجته بالقوة إن لم يسلمه طواعية، ولكن قدومنا وذعر المجرمين أفسد عليهم الصيد الثمين الذي كانوا يخططون له، عدتُ إلى السيارة وأنا أتحسر على بقايا النخوة التي كانت تسكن المجتمع اليمني، وبقايا الأعراف والعادات والتقاليد الحميدة التي كانت تميزنا عن غيرنا من المجتمعات، والتي من أهمها عدم الالتفات إلى السيارة في حالة وجود نساء فيها، فما بالك بالتقطع والسلب والنهب والتخويف والترويع، حتى التقطع له أصول!
ولكن أكثر ما أفزعني في كل ما حدث، وأشد ما هالني في هذا الموضوع هو موقف الدولة مما حدث ممثلة بأفراد النقطة الأمنية التي لاقيناها بعد (مفرق حُبيش)، فعند شرحنا لما حدث لنا ومن مر بعدنا، كان الرد المدوي من أحد أولئك الجنود، حيث قال لنا بالحرف الواحد (احمدوا الله ما قتلوكمش)، تخيلوا معي ذلك الموقف، يعتبر أن عدم قتل تلك العصابة لنا يعتبر إنجاز يستحق أن نحتفل به ونوزع الحلوى والهدايا على الجميع، دولة تقف موقف المتفرج من جرائم (قطع الطرق) التي تعد من أشد الجرائم عقاباً في الشرع والقانون، وتزيدك غماً إلى غمك بمثل ذلك الرد الذي لاقيناه، إنها دولة (تفطر) القلب و(تكتم) الأنفاس و(توقف) العقل وتصيب كل الأحاسيس بالتبلد..وتجعلنا نتمنى لو أننا كنا وُلدنا في مقديشو أو في أي (زُغط) من أدغال أفريقيا!.
وفي نقطة أمنية أخرى التقينا بأحد الجنود وكنا نعرفه، وبعد أخذ وعطاء، قال لنا بأن تلك العصابة تمارس هذه العملية منذ عدة أشهر بأريحية تامة، وأن هناك تواطؤ كبير في هذه القضية، موضحاً أن مئات من البلاغات التي تم تقديمها إلى (العمليات) كانت تذهب في خبر كان، وقال أن هناك قوة من الأمن المركزي تهتم بتأمين تلك المنطقة، وفي مقابل السكوت عن ما يحدث يستلم قائد تلك القوة مبلغ مالي محدد من أفراد تلك العصابة، وقال أن الحل هو فقط بتعاون المواطنين فيما بينهم، وحمل السلاح على تلك العصابة وأمثالها... ولن أزيد على ما قاله، فإذا كانت الدولة تشجع المواطن في الواقع العملي على حمل السلاح، فما قيمة الأشياء النظرية وإعلانات التلفاز بمخاطر حمل السلاح وخاصة في مثل هذا الموقف؟.
خلاصة الأمر، الموضوع الذي نتحدث عنه خطير، وخطير جداً، فهو يمس سلامة الأرواح والأموال، ويتعلق بالأمن والأمان الغائبين عن الوطن منذ فترة، وما افتقادنا إلى الأمن إلا بسبب التأخر في إعادة هيكلة الجيش المنقسم، والذي يريد كل طرف من أطرافه ضرب الطرف الآخر، وبسبب رغبة الطرف (المنزوع) من السلطة و(المخلوع) من الحكم في إثارة الفوضى، لكي يجعل الناس يشعرون بالندم على الخروج في ثورة، ولكي يوهم الجُهلاء وضعاف النفوس وأصحاب المصالح بأنهم كانوا في خير، وأنه لولاهم لما استطعنا أن نقف على أقدامنا، ولخرت اليمن هامدة بلا حراك!.
وباعتبار هذا الأمر يمس كل فرد في الوطن فإني أتمنى أن يقرأ كلامي هذا كل مسئول له علاقة بالأمر، وأعتبر هذا المقال (بلاغاً) أمنياً إلى كل من: رئيس الجمهورية باعتباره المسئول الأول عنا جميعاً، آملاً منه الإسراع في هيكلة الجيش وتوحيده، ووزير الداخلية الذي أُقدر جهده آملاً منه المزيد، ومدير أمن محافظة إب الذي سمعنا عنه خيراً، وأقول لهم جميعاً: في الوقت الذي كنتم تتناولون فيه (جعالة) العيد كان هناك نساء تبكي بحرقة، ورجال تؤخذ منهم حقوقهم وعلى رؤوسهم فوهات البنادق وبـ(قهر) تعوذ منه الرسول الكريم، وأطفال يبكون من الخوف، وعصابات تعيث في الأرض الفساد، وشعبٌ يئن من انفلاتٍ أمنيٍ إن لم يجد له حلاً فإنه ربما يعصف بالوطن وأهله.,فالله الله بوطنكم، الله الـله بشعبكم يا من وليناكم أمرنا، وائتمناكم على حكمنا.
طارق فؤاد البنا
عن الانفلات الأمني وضحاياه.. 1907