لازال الوضع اليمني ملبداً بالغيوم رغم ما تم تحقيقه من تغييرات هامة على طريق التغيير التام، فالجيش لا زال منقسماً والأمن كذلك وهناك جهات لا زالت تراهن على إحباط إرادة الشعب والعودة بنا إلى المربع الأول ورغم إيماننا بأن العجلة دارت ويستحيل أن تعود إلى الوراء مهما كانت المعوقات والتآمرات، ولكن من حقنا أن نخاف على مستقبل وطننا وأن نحذر ونًحذًر من مكر الليل والنهار.. وعندما نذكر مواقف المشاركين في الثورة وما سطروه في صفحات التاريخ، فإننا في هذا الظرف العصيب الذي يمر به وطننا لا نقصد الثناء والمديح والتطبيل وإنما لنذكرهم بأن المشوار ما زال طويلاً وعليهم أن يحافظوا على ما حققوه من مواقف مشرفة بإضافة مواقف وطنية أخرى أكثر إشراقاً حتى نصل باليمن إلى بر الأمان ونحقق معاً الهدف المنشود الذي خرج من أجله الشباب في ثورتهم المباركة في ١١ فبراير ٢٠١١ و خرج معهم أبناء الشعب كله بمختلف مكوناتهم وانتماءاتهم.
فتحقيق المشروع الوطني دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية أمانة في أعناق الجميع، حملهم إياها أرواح الشهداء ودماء الجرحى والمعاقين وتضحيات كل الثائرين والثائرات ومن يحيد عن ذلك فإن غضب الشعب ولعناته ستلاحقه ولن يضر إلا نفسه وسيمحو ما حققه من مواقف مشرفة ولن يستطيع إيقاف سير القافلة التي قرر الشعب كل الشعب المضي فيها حتى النهاية.
الرئيس هادي:
ولذلك عندما نشيد بخطوات وقرارات الرئيس عبدربه منصور هادي وما حققه خلال ما مضى من فترة حكمه، رغم المصاعب التي تواجهه، فإننا نقول له إن الشعب يترقب منه قرارات أكثر قوة وبالدرجة الأولى بما يحقق توحيد القرار في الجيش والأمن اليوم قبل الغد، فتوحيدهما قبل الحوار ضرورة وطنية ملحة وضمانة للحوار الحر الذي سيترتب على نتائجه مستقبل الوطن وإذا كانت الهيكلة بحاجة إلى وقت وهذا صحيح، فإن توحيد الجيش لا يحتاج إلا لقرارات شجاعة وحكيمة، ولأن هادي يختلف عن سابقيه بنظرته للتاريخ.
فنقول له إن من تحققت الوحدة بعهديهما (البيض وصالح) لم يحاولا حفظ هذا المنجز في سجل تاريخهما، بل عملا على تخريبه، فخرجا منه وكتب تاريخهما في صفحات مظلمة وبيدك أنت أن تتبوأ هذا التاريخ المشرف لك ولمن بعدك وتجعله يسطر لك على صفحات من نور وذلك بقيادتك الحكيمة للشعب والعبور به إلى بر الأمان، خاصة أنه قد منحكم ثقته في 21/2/2012م ونحن واثقون أنكم أهل لذلك إن شاء الله.
اللقاء المشترك:
وعندما نثني على مواقف اللقاء المشترك ودوره الفاعل في ثورة الشعب، فإننا أيضاً نذكره أننا لازلنا في بداية المشوار، فلا يركن ويصب بالخمول أو يختلف مع بعضه ونذكره بأن هناك مساع شيطانية تبذل بدون توقف للوقيعة بينكم وتصوير كل حزب بأنه المضحي والآخر مقصر ومفرط ومستفيد، بل إن المساعي الشيطانية تحاول بث هذه السموم في أوساط قواعدكم وأنتم قد ضحيتم وصمدتم في أحلك الظروف ولن يرحمكم التاريخ إن تخاذلتم الآن، وليكن همكم تحقيق دولة النظام والقانون بروح التضحية والإيثار بعيداً عن الأثرة والنظرات الحزبية الضيقة التي تؤدي إلى خلاف، فالحمل الثقيل يقع على عاتقكم وأي انحراف عن المسار فإن أصابع الاتهام ستشير إليكم حتى لو كان هذا الانحراف بسبب غيركم، لأن الشعب يرى موقعكم في قيادة التغيير بمثابة الرأس من الجسد، فمزيداً من التنازلات فيما بينكم من أجل الوطن .
الجيش المؤيد للثورة:
عندما نذكر الجيش المؤيد للثورة فإننا نحيي موقفه البطولي الذي قام به وجنب الوطن الكثير من الدماء التي كانت ستسفك وقلل حجم الكلفة التي دفعها الشعب مما كان متوقعاً، لأنه أحدث توازناً بالقوة العسكرية.
ونحن إذ نذكره بدوره هذا فإننا نطالبه الاستمرار بهذه الروح الوطنية، ولتكن قوتهم نصرة وسنداً للرئيس هادي لتحقيق الهدف المنشود، وليكونوا الدرع الواقي للثورة وشبابها، ونريد أن يكونوا عوناً وسنداً للمخلصين في توحيد القرار في الجيش وإعادة هيكلته وكذلك الاستمرار في دعم ومساندة تحقيق أهداف الشباب وفي مقدمتها تأسيس الدولة المدنية الحديثة.
إن التزام قيادات الجيش المساند للثورة بالتنفيذ الفوري لقرارات الرئيس هادي سواءً القرارات التي شملت تغيير بعض القادة منهم عندما عين قائداً للمنطقة الشرقية بدلاً عن اللواء/ محمد علي محسن وكذلك بديلا للواء المقدشي - قائد المنطقة الوسطى- وهما من أنصار الثورة وكذلك عند صدور قرار فصل بعض الألوية من التبعية للفرقة وإلحاقها بجهات أخرى وغيرها من القرارات كانت الترحيبات والتنفيذ فورية هذه مواقف تستحق أيضاً التقدير والإشادة بينما القوات الموالية للنظام السابق الكل عرف كيف كان تمردهم ولم يسلموا إلا بتهديد وإشراف دولي ولازالت معظم الأسلحة والقوة البشرية معهم لم تسلم حتى الآن كما صرح بذلك الأخ وزير الدفاع.
الشباب المستقل:
الأحرار والحرائر المستقلون كانت لهم أدوار عظيمة في هذه الثورة وقدموا الشهداء والتضحيات الجسام، فهم بذلوا بتجرد دون أي حسابات أو نظرات ضيقة، ولكن نقول: لهم هناك الآن أيضاً طابور خامس وثورة مضادة تحاول أن تنخر في صفوفكم وتصطاد بعضكم سواء لمصالح وهمية أو لدعوات ضيقه، فاحذروا هؤلاء وحافظوا على تاريخكم الناصع.
أحرار المؤتمر:
أحرار المؤتمر الذين حددوا موقفهم من النظام مع بداية اندلاع هذه الثورة هم من قصم ظهر النظام وأظهر زيف إدعائه بالشرعية وفضحه داخلياً وخارجياً، وكان دورهم أساسياً في هذه الثورة التي توحد فيها معظم أبناء الشعب.. فنقول لهم: أنتم فاصلتم النظام والتحقتم بركب الثورة منذ الوهلة الأولى، لأنكم أكثر الناس كنتم تعلمون وتعانون من شللية هذا النظام وظلمه، ولأنكم كنتم في قلب النظام كنتم أعرف الناس بقبحه من الداخل فاشكروا الله الذي وفقكم لهذا الموقف المشرف واحذروا دغدغة الشياطين لكم وتصويرهم بأنكم مظلومون لم يلتفت لكم أحد من الأطراف الممثلة للثورة المشاركة في الحكم، فهذه والله إنها تلبيسات إبليس، فأنتم خرجتم تبحثون عن المواطنة المتساوية التي حرمتم منها وأنتم في الحزب الحاكم، فاستمروا بهذه الروح واحذروا أن تنتكس المبادئ لديكم بمبررات واهية مهما كانت المعاناة، فالتاريخ لا يصنعه إلا رجال مضحون وهو أغلى من أي مراتب، فهو الخالد وما عداه زائل.
القبيلة:
القبائل وشيوخهم المنضمين للثورة ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء والالتزام بسلمية الثورة.. فنقول لهم: لقد أبهرتم بسلوككم الحضاري كل المراقبين في الداخل والخارج وقدمتم كثيراً من الشهداء وسالت منكم الدماء، رافعين شعار المطالبة بالدولة المدنية دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية وهي مواقف سيخلدها لكم التاريخ ومع تقديرنا لمواقفكم وتضحياتكم، فإننا نصارحكم أن البعض يتخوف ويشكك بصدق توجهاتكم هذه ومع ثقتنا أن معظم هذه الشكوك والإشاعات مصدرها مطبخ الثورة المضادة التي يقودها بقايا النظام السابق لزرع الشك في أوساط قوى الثورة، فالمؤمل أن تلجموا الأقاويل وتدحضوها بتطمين الشباب بالسلوك العملي بأنه لا عودة عن العهد الذي قطعتموه بالمضي قدماً لتأسيس دولة النظام والقانون ولا خيار آخر عن ذلك وتعملون بكل طاقاتكم وإمكاناتكم على تحقيق هذا الهدف حتى يصبح القانون هو الفيصل بين الكبير والصغير، والرضا ببسط نفوذ الدولة وهيبتها على الجميع وأن الناس سواسية (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وبهذا ستضيفون إلى مواقفكم المشرفة مجداً وتاريخاً مشرقاً.
حكومة الوفاق:
هذه الحكومة أتت في ظرف صعب وفي مرحلة العمل فيها تضحية ومغرم يكفي أنها الحكومة الوحيدة التي كل أعضائها متوقعون الاعتداء عليهم بالقتل بأية لحظة وقد تعرض الكثير منهم لمحاولات اغتيال عديدة وفي مقدمة من تعرضوا لمحاولات متكررة وزير الدفاع اللواء/ محمد ناصر أحمد ووزير الإعلام الأستاذ/ على العمراني ووزير النقل الأستاذ/ واعد باذيب، بل إن رئاسة الوزراء بكاملها تعرضت للتفجير في محيطها في يوم انعقاد مجلس الوزراء وتم اقتحام وزارة الداخلية ومحاولة اقتحام وزارة الدفاع وهدد منهم الكثير وعلى رأسهم الأخ رئيس مجلس الوزراء الأستاذ/ محمد سالم باسندوة والأستاذة/ حورية مشهور - وزيرة حقوق الإنسان- وكذلك الأستاذ/ صخر الوجيه - وزير المالية- وحوصرت وزارته، بالإضافة إلى التخريب الممنهج وضرب أبراج الكهرباء وأنابيب النفط، فهي تعمل في ظرف استثنائي.. ويراهن الحالمون بعودة العجلة للخلف على فشلها، مراهنين على إمكاناتهم الهائلة وتغلغلهم في كل المرافق العسكرية والمدنية وإفسادهم الممنهج ورغم ذلك هذه الحكومة بذلت جهوداً تشكر عليها وأظهرت انسجاماً في الغالب الأعم بين أعضائها بمختلف توجهاتهم وكان لها شرف استعادة موانئ عدن وكلنا يعرف من أجرها لموانئ دبي المنافسة لها، وكذلك بجهود هذه الحكومة تم رفع سعر الغاز أكثر من الضعف بعد أن تم بيعه من قبل النظام السابق لكوريا بأرخص من السعر المحلي وبعقد طويل المدى.. وقبل كل ذلك استطاعت تثبت سعر العملة.
ورغم ما بيناه لا يعني ذلك أن أداء الحكومة بمستوى الطموح المنشود، فهناك لاشك إخفاقات وقصور في جوانب عدة، ولكننا نقيس هذه النجاحات مقارنة بالظرف الغير طبيعي الذي تعيشه البلاد وهناك وزراء لم يكن أداءهم بمستوى زملائهم والقصور بادٍ على أداء وزاراتهم، مما يتطلب منهم ومن الحكومة إعادة النظر في أدائهم ووضع الخطط والحلول السريعة للارتقاء به للمستوى المنشود.
إن ما ذكرناه من تحديات تواجه هذه الحكومة الهدف منه خلق روح التحدي لدى الحكومة مجتمعة وتعلم أنها في سباق مع الزمن وأن الجماهير راهنت على نجاحها وليس هناك بديل للنجاح إلا النجاح لأن الفشل معناه إعادتنا إلى المربع الأول وهذا مستحيل، فالمطلوب منهم مزيداً من الاستشعار للتحديات التي تواجههم، فهم ورثوا تركة ثقيلة وفاسدين ومفاسد متأصلة في كل القطاعات والمرافق، فليواجهوا الفاسدين بالنزاهة والشفافية مع الشعب وليبينوا الحقائق أولاً بأول ويحركوا ملفات الفاسدين ويًفعلوا تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ويحيلوا الفاسدين وملفاتهم إلى النيابات والمحاكم ويتابعوها باهتمام عبر فريق يشكل من أكفأ وأنزه المحامين ونريد أن نرى تغييراً وقلعاً للفاسدين وليس تدويراً واستبدالهم بأكفأ وأنزه الكوادر بعيداً عن المحاصصة والتقاسم حتى يلمس الشعب الفارق بين الأمس واليوم يواكب ذلك إعلام صادق وبناء يحترم عقول أبناء الشعب وكل المتابعين ويوضح زيف إعلام الثورة المضادة الذي يعمل جاهداً على إحباط نفسيات الناس من إمكانية التغيير ويستميت في تزييف الحقائق وتصوير الماضي المرير بأنه كان الأفضل.. أما أسر الشهداء والجرحى والمعاقين، فإن الوفاء لهم يتطلب من الحكومة اهتماماً خاصاً دون تمييز بين أسرة وأخرى وجريح وآخر، فالجميع أمانة في عنق الدولة والحكومة وهم من يستحقون الوفاء.
الحراك:
إخواننا في الحراك هم أول من بدأ بالثورة الشعبية منذ عام ٢٠٠٧ وبدأت سلمية وأكثرهم لازالوا سلميين في نشاطهم.. فنقول لهم: أنتم ظًلمتم كثيراً وعانيتم وقدمتم التضحيات وظلمت المحافظات الجنوبية ظلماً عظيماً، ولكن اعلموا أن من ظلمكم ظلمنا أيضاً وعانينا منه الكثير وأنتم من أيقظ فينا روح المقاومة والتضحية، ولذلك قامت الثورة، فيا أحبابنا لا تخطئوا الطريق وتصبوا غضبكم على من هم مظلومون مثلكم من إخوانكم أو تنقمون من الوحدة المفترى عليها وأمامنا جميعاً لحظة تاريخية لصياغة مستقبل اليمن الجديد ووضع كل الضوابط والضمانات حتى لا يتكرر مثل ما حدث، فلا نفوت هذه اللحظة التاريخية الهامة ونهدر جهودنا بما يضر ولا ينفع، وكل إخوانكم في المحافظات الشمالية مع استعادة حقوقكم كاملة غير منقوصة ونحن واثقون أن الكثير منكم يوافقونا الرأي، ولكن البعض منكم من شدة ما وقع عليهم من حيف وظلم أصبحت عقدتهم من الوحدة ومن إخوانهم وهذا ما يريده الظالم الذي أوصلنا إلى هذا الحد، فلا تحققوا له أهدافه الهدامة دون أن تشعروا بذلك.
الحوثيون:
خضتم مع النظام السابق ستة حروب عبثية غامضة ذهب ضحيتها الآلاف من الأرواح اليمنية، ولا نعلم كيف تبدأ ولا كيف تنتهي وما سر توقفها باتصال هاتفي؟! ورغم ذلك نناشدكم بنداء الأخ لأخيه أن تضعوا أيديكم بأيدي إخوانكم في مختلف مكونات الثورة لتأسيس دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية وتفصحوا عن برنامجكم وأهدافكم صراحة حتى تزيلوا عن الشعب هذا الغموض الذي يكتنف دعوتكم، أما من يفكر أنه من جنس آخر وأن الله اصطفاه وفضله على بقية أبناء اليمن، فهذا واهم سيجني سراباً مهما كانت إمكاناته وأمواله، فالشعب اليمني ما قدم هذه القوافل من الشهداء ليستبدل الظلمة بأسياد عليه، ولكنه قدم ذلك ليعيش حراً على أرضه بمواطنة متساوية وحقوق وواجبات غير منتقصة، فتعالوا معنا إلى كلمة سواء على هذا المبدأ ونحن إخوانكم وأنتم إخواننا وعلى قاعدة (كلكم لآدم وآدم من تراب) وليس بين الله وبين الناس نسب.
وخلاصة الأمر نخاطب الجميع بما فيهم المؤتمريين المؤمنين بالتغيير بكل الود والحب والإخاء نقول لهم: رغم التضحيات التي قدمتموها فإن الأعمال تقاس بخواتيمها، فوحدوا صفوفكم نحو الهدف الأسمى بناء الدولة المنشودة التي حلم بها الأولون من أبناء شعبنا العظيم وعلى رأسهم شهداء وأبطال ثورتي سبتمبر وأكتوبر وشهداء الثورة الشعبية السلمية، ولندخل جميعاً مؤتمر الحوار برؤية وطنية خالصة واجعلوا التاريخ يسجل تحقيق هذا المشروع الوطني العظيم على أيديكم وهذا شرف لا تساويه كنوز الدنيا.. اللهم انصرنا على أنفسنا الإمارة بالسوء وأصلح شأن اليمن كله.
× عضو مجلس النواب
الجمعة ٢نوفمبر٢٠١٢م
محمد مقبل الحميري
المشروع الوطني والمسؤولية التاريخية 2364