منذ استقلال الجارة اريتريا مطلع تسعينيات القرن الماضي وهي تعتقل الصياديين اليمنيين التقليديين الذين يتسللون للاصطياد في مياهها، وتصادر المئات من قواربهم سنوياً، لا يوجد إحصاء دقيق بعدد القوارب المصادرة منذ ذلك الوقت، لم يكن هناك جهة رسمية أو شعبية تقوم بهذا الرصد، إلا أن ما تم رصده من خلال الاتحاد السمكي الذي أنشئ مؤخراً ومنذ العام 2004 وصل إلى ما يقارب الألف قارب بمليارات الريالات، وآلاف من الصيادين المعتقلين الذين يتم ترحيلهم إلى اليمن، واعتقالهم أكثر من مرة..
لم تتوقف اريتريا يوماً عن ترصد القوارب اليمنية ومصادرتها، كما لم يتوقف الصيادون التقليديون يوما عن التسلل إلى المياه الاريترية للاصطياد رغم الخسائر الفادحة التي يتكبدونها، هناك من قتل على يد القوات البحرية الاريترية، وهناك من غرق نتيجة التسلل في مواسم الرياح الشديدة لتفادي الوقوع في قبضة الدوريات البحرية لاريتريا..
مؤخرا العام 2012 أضافت السلطات الاريترية عقوبات جديدة على الصيادين الذين تعتقلهم وهي الحكم من ثمانية أشهر إلى سنة من الأعمال الشاقة في شق الطرقات والمزارع، وسط ظروف سيئة وأكل رديء يقدم عادة للأغنام في اليمن (قشرة الحبوب).. الآن هناك حوالي 200 من الصيادين المعتقلين الذين يقضون هذه العقوبات في اريتريا حسب بلاغات الاتحاد السمكي..
قرار التحكيم الدولي القاضي بعودة الجزر اليمنية (أرخبيل حنيش) إلى السيادة اليمنية والتي كانت اريتريا قد احتلتها منتصف التسعينات، ينص على السماح للصيادين التقليدين من البلدين بالاصطياد في بحر البلدين، إلا أن اريتريا لا تمتلك صيادين تقليدين بحجم العمالة اليمنية الهائلة في صيد الأسماك، ومع ذلك تقول اريتريا إنها لا تمانع بتنفيذ هذا البند من قرار التحكيم، إلا أنها تطالب بتوقيع اتفاقية منظمة للاصطياد،إضافة إلى اتفاقيات لترسيم الحدود البحرية، واتفاقات اقتصادية وسياسية أخرى، كان هناك اتفاقات مبدئية تم توقيعها في زيارات متبادلة لرئيسي البلدين غير أنها لم تفعل..
لا يتعمد الصيادون التقليديون الإيذاء بأنفسهم وممتلكاتهم من خلال التسلل إلى المصائد الاريترية، لا يفعلون هذا عن بطر منهم، إنما لأنهم مجبرون على هذا، نتيجة شحة المصائد اليمنية في البحر الأحمر من الأسماك، القليلة أصلا بطبيعتها مقارنة مع حجم العمالة البشرية في الصيد، إضافة إلى تدمير شعابها وأحيائها البحرية من خلال سفن الجرف الأجنبية التي يتم التصريح لها للعمل في البحار اليمنية، في صفقات فساد وعمولات لكبار مسؤولي وزارة الثروة السمكية الذين يجمعون أحيانا بين عملهم الرسمي وبين وكالتهم لسفن الصيد الأجنبية.
×××
مؤخراً العام 2012 تم التصريح لعشرة سفن صيد جرف مصرية بالاصطياد في البحر الأحمر لمدة ثلاث سنوات، بدأت بالعمل من الشهر الماضي رغم احتجاجات الصيادين ومناشداتهم للمسؤولين بوقف العمل بالاتفاقية لإضرارها الفادح بالأحياء البحرية والمصائد لأسلوب الجرف الذي تتبعه تلك السفن الذي يدمر الشعاب المرجانية، ويقضي على البيئة البحرية المدمرة أصلاً نتيجة عمليات الجرف السابقة خلال العقدين الماضيين.
لمن يحصل على وثائق هذه الصفقة لن يصعب علية شم رائحة الفساد المنتنة فيها وقد تم تفصيلها بوقاحة لصالح مجموعة (باقيس) التي تحولت في الوثائق ذاتها من مديونية للوزارة إلى دائنة ليتم تعويضها بمبررات واهية بثلاثة مليون دولار تم استبدالها، بـ150 رحلة بحرية في البحر الأحمر لثلاث سنوات، وهو ما بدا أنه الغرض من القصة بمجملها والتي بدأ مسؤولون في الوزارة بالتخطيط لها وتنفيذها منذ العام 2008.
القصة، وبدون أن أوجع رؤوسكم بالأرقام أن باقيس هذا كان وكيلا لشركات أجنبية تعمل في الاصطياد في البحار اليمنية وعجز عن توريد مستحقات مالية للوزارة بموجب الاتفاقات الموقعة، لتتم مصادرة مبلغ الضمان التجاري الذي كانت تغطيه مجموعة سابحة، وهو الأمر الذي دفع مجموعة سابحة إلى مقاضاة هذا الوكيل (باقيس) وسجنه لمدة ست سنوات، مع بقاءه مديوناً بمستحقات أخرى للوزارة.
على عهد وزير الأسماك الأسبق محمود صغيري تقدم هذا الوكيل (باقيس) بتظلم إلى الوزير من خلال أصدقاء له، وهم وكلاء في الوزارة ويشاطرونه أيضا العمل كوكلاء لشركات الصيد الأجنبية كالوكيل غازي لحمر. لتقوم لجنة تسمى اللجنة العليا للاصطياد برئاسة (غازي لحمر) أيضاً وعضوية وكلاء وكبار مسؤولي الوزارة بعمل محضر تسوية قضية حولت فيها الوكيل باقيس من مديون إلى دائن للوزارة، وبما أن المحضر يشترط توقيع الوزير عليه والمجموعة (باقيس) ليصبح نافذاً.. فقد رفض الوزير الصغيري التوقيع على المحضر..
في خطة جهنمية قامت تلك المجموعة في الوزارة من خلال واجهة مجموعة (باقيس) برفع دعوى أمام المحكمة التجارية الابتدائية بصنعاء، ترافع فيها عن الوزارة مدير الشؤون القانونية والذي كان مشاركاً في محضر التعويض للتاجر باقيس من قبل، وبحكم ركيك وواهي الحيثيات والمنطوق قضى باعتماد المحضر التعويضي للتاجر مع أن الوزير لم يكن قد وقع عليه.. حتى هنا لم تنتهي القصة في تلك الفترة التي كان يمكن للوزارة استئناف الحكم فيه اخفت الشؤون القانونية بالوزارة الحكم ولم تقم بالاستئناف كان الوزير حينها محمد صالح شملان، الذي طلب الاعتراض على الحكم ولم يمكن من خلال المحكمة العليا، وفي مجلس الوزراء على عهد (مجور) قضى المجلس باعتماد التعويض من صندوق التشجيع السمكي والزراعي، بدلاً عن إحالة المسؤولين عن فساد الصفقة للقضاء بتهم الفساد وخيانة المسؤولية.
في عهد الوزير الحالي عوض السقطري مررت تلك المجموعة الجهنمية في الوزارة هذه الاتفاقية للصيد في البحر الأحمر لمدة ثلاث سنوات للسفن المصرية بحجة تنفيذ المحضر التعويضي والحكم القضائي لمجموعة (باقيس)، في اتفاقية أخرى مخلة ببنود اتفاقيات الصيد التجاري المعمول بها في الوزارة، ولا تقل فساداً عن المحضر التعويضي، ويمكن رصد عيوبها ومخالفاتها القانونية ببساطة.
ما أريد قوله هنا أن البحر الأحمر لا يحتمل مثل هذا النوع من الاصطياد التجاري الذي يعتمد الجرف، سواء اهتمت الدولة بفساد الصفقة أو لا.. فسواء من خلال فسادها المعيب، أو من خلال إضرارها الفادح بالبيئة البحرية وبأرزاق الصيادين التقليدين.. إيقاف سفن الجرف المصرية الآن ضرورة وحاجة وطنية..
هذا بلاغ لرئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، والنائب العام، وهيئة الفساد، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، لإحالة المسؤولين عن الصفقة من كبار مسؤولي وزارة الثروة السمكية إلى التحقيق والقضاء، بتهم الفساد وخيانة المسؤولية الوظيفية.
إشارة:
غازي لحمر - وكيل الوزارة ورئيس اللجنة العليا للاصطياد التي خرج عنها المحضر التعويضي لمجموعة باقيس- هو نفسه من ضبط متلبساً قبل سنوات على سواحل المهرة بتشغيل قارب معهد البحث السمكي بعدن لصالحه في الصيد التجاري، كما يعمل وكيلاً لشركات الصيد الأجنبية.
× يحتفظ الكاتب بالوثائق عما ورد في المقال
عبدالله دوبله
وزارة الإضرار بالثروة السمكية 2338