"الولاء إما أن يكون لله أو أن يكون للشيطان، والولاء لله ليس له إلى طريق واحد وهو الولاء للإمام علي بن أبي طالب، والإقرار بالولاية له ولأحفاده من بعده، وما عدى ذلك فإنه ولاء للشيطان، وولاء لأميركا".
هذا مقتطف من خطبة عبد الملك الحوثي في يوم الغدير، اعترف لكم أنني صدمت بكون الرجل مازال مسكوناً في كهوف السلالية والعنصرية المقيتة، إنه يتكلم اليوم عن حق وتفويض إلهي يمنحه وسلالته الولاية والحكم من دون سائر خلق الله.
ما أعلمه هو أن دين الإسلام أكبر وأعظم من أن تحتكره جماعة أو فئة أو جنس أو لغة أو لون، فلا كهنوتية ولا رهبنة ولا تمايز بين البشر، فهذا التخصيص الذي يحدثنا عنه الحوثي وبعيد أربعة عشر قرناً على دين الإسلام كان سبباً في ما آل إليه دين موسى وهارون.
فالمغالاة في التيهود جعلت دين الله وكتبه وصحفه وأنبيائه مقتصرة على طائفة من خلقه، وعندما اختزلت اليهودية بقوم من الناس ودون سواهم من عامة البشر ؛ كان منتهى الديانة اليهودية بأنها لم تستطع الانتشار أسوة ببقية الأديان بما فيها الوثنية، إذ بقت محتكرة بسلالة نقية سامية خاصة بهم وحدهم ودون سواهم، بما فيهم طائفة كبيرة ليسوا من أمهات يهوديات كشرطية لاكتساب صفة اليهودي.
إنني أسمع عبد الملك وكأنه يردد ذات المنطق والحجة غير السوية والضالة، فما الفارق بين تنطع وعصبية القائلين باصطفائهم ونقاء دمهم وسمو جنسهم وبين القائلين بكونهم أحباب الله وعثرة أنبيائه ورسله ؟ ما الفارق بين طاقية ذلكم اليهودي المتطرف الذي يعد نفسه مختصاً ومميزاً ومفضلاً من عند رب السماء وبين عمامة ذلكم المسلم المتعصب الذي يعتبر ذاته الاتقى والأسمى والأحق بخلافة الله في أرضه ؟ ما الفارق بين أن يكون السلطان قرشياً بناء والقاعدة الفقهية التي ابتدعها موالو أموية الحكم والقائلون بقرشية الخليفة وبين معارضي الفكرة المنحازين لهاشمية الحكم والقائلين بإمامة علي قبل أن تتوسع الدائرة ؛ فيكون الامام هاشمياً - فاطمياً كان أو علوياً أو عباسياً؟.. يا الله ما هذه الخزعبلات الطافحة بالعنصرية والعرقية! واحد يدعي بحق إلهي في أن يحكمك ويستبدك ويهينك وآخر ينافح عن قداسة كي يبقي سوطاً يجلد ظهرك ويقهرك ويلغي عقلك !
اليوم أسمع من يتحدث عن عبد الفتاح وعلي البيض وحيدر العطاس ليس بصفاتهم ومراكزهم التي حققوها بنضالهم وفكرهم وجهدهم ؛ وإنما بنسبهم العدناني المحض، لعقود مضت ومازلنا إلى يومنا ونظرتنا لهؤلاء الرؤساء لم تتبدل أو تتغير ؛ فثلاثتهم من عامة القوم ولا فرق بينهم وعموم المجتمع، غير أنهم تبوؤا مكانة قيادية ونضالية بناء وجهدهم ومثابرتهم ومؤهلهم وعلاقتهم ؛ لا بناء وحقهم الالهي، أو بكونهم أناساً مختلفين ومنزهين ومميزين في دمهم وعرقهم ونسبهم وطبقتهم مثلما يظن ويعتقد السيد عبد الملك وأتباعه الحاملون لراية الولاية لنا ولأولادنا وأسباطنا إلى أن يرث الله أرضه..
فتولية البيض او العطاس او عبد الفتاح لم يكن يوما وفق منطق الهي سلالي يراد تعميمه وتصديره إلى مساحة جغرافية تجاوز أهلها مسألة الولاية الكهنوتية، صحيح أن هناك فئة قليلة مازالت مثقلة بإرث استعلائي عنصري فيما يتعلق بانغلاقها الاجتماعي، لكننا إذا ما نظرنا إلى مسألة إدارة الدولة والوظيفة والمهنة والحياة عامة ؛ فإننا لا نجد فيها ما يميز جماعة عن أخرى.
فيكفي القول هنا بأن إقحام البيض والعطاس في معركة الإمامة الحوثية القائمة في شمال الشمال ليس له ما يبرره غير الاستغلال القبيح والفظ، فلا أعتقد أن أحداً من الجنوبيين يمكنه استساغة فكرة الاستحقاق الالهي التي يبشر بها أبناء وأسباط الإمامية والكهنوتية، كيف لا وجميعنا يدرك وعلى يقين بأن قيادات الجنوب تبوأت مناصبها الرفيعة باعتبارها من طبقة العمال والفلاحين والصيادين لا من طبقة الأسياد والمنزهين والمقدسين.
المعايير الالهية، لا أعلم ماهية هذه المعايير التي يحدثنا عنها أناس لم يتحرروا بعد من جاهلية أبي جهل ومكابرة وعصبية سادة قريش، فهل هنالك ما هو أتفه وأحقر من أن نتصارع في سبيل طغيان العبودية المغلفة برداء العدالة المطلقة التي لا وجود لها بين البشر ؟ وهل هنالك ما هو اذم وأقبح وأدنى من تعالي وتكبر وتعجرف إبليس اللعين الذي طرد مذموماً مدحوراً حين اغتر بأصله وفصله فكان أول العصاة المنبوذين إلى قيام الساعة.
القول بوجوب طاعة الحاكم وإن ظلمنا وجلدنا وقهرنا وقتلنا، اعتقد مسألة ليست من الدين ؛ إنما هي صنيعة كهنة الطغيان، كما أنه لا ولاية لإمامة تعد ذاتها منزهة وإلهية ومصطفاة من رب السماء، فكل هذه المرويات الناضحة بالعنصرية والعبثية هي مرويات زائفة مداهنة مناقضة لدين الحق ولرسالة نبيه.
أسأل: كيف أن خلافة أبو بكر تمت بتوافق الأنصار والمهاجرين – أو كما يحلو للبعض إرجاعها إلى شدة وحسم عمر بن الخطاب - وفي سقيفة بني ساعده، وفيما جثمان النبي محمد بن عبدالله لم يوار بعد ثراه ؟. فهل كان الأنصار أغبياء وسذجاً ولدرجة جعلتهم يختلفون مع المهاجرين حول تسمية الخليفة ومبايعته ؟ وكيف خاض الطرفان نزاعاً وحواراً قبل أن يستقر رأيهم على مبايعة "أبو بكر الصديق" على كتاب الله وسنة رسوله، وعلى أن لا يتفرد الخليفة والمهاجرين بالقرارات المهمة دون مشاطرتهما الأنصار، وألا يستأثرا الخليفة والمهاجرين بكل فيء وغنيمة ؟ وهل كان الإمام علي كرم الله وجهه جباناً وضعيفاً وجاهلاً بحديث الغدير ولحد إنه ترك الخلافة تذهب لثلاثة خلفاء ليسوا من العائلة الهاشمية ؟ أم كان عليا زاهدا وورعا وعالما وشجاعا لحد أنه تم تكفيره وقتله ثمناً وقرباناً لقول الحق والصدق ورفض الباطل والعصبية ؟ فبرغم محاولات المتنطعين القائلين الآن بحقهم في ولاية الامة، إلا أن أحدهم لم يقل لنا لماذا الإمام علي لم يوص باستخلافه احد نجليه الحسن أو الحسين خاصة بعد أن آل إليه قرار الخلافة من بعده ؟ وكيف صمت ابو بكر وعمر إزاء مطلب الأنصار بخلافة رسول الله ومن ثم بمناصفة السلطان : منا وزير ومنكم وزير ؟ لماذا لم يقل أحد من صحابة الرسول بكون الأنصار ليسوا من قريش أو عترة آل هاشم كشرطية يجب توافرها لمبايعتهم ؟ أين اختفى حديث الغدير وكيف أغفلت أحاديث البيعة لقريش؟..
لطالما قلنا بأنه هناك اخطاء فظيعة تم ارتكابها بداعٍ سياسي لا صلة له البتة بترسيخ وتثبيت عدالة السماء، لقد شاب التاريخ الإسلامي الكثير من الغلط والعسف، فما من مرحلة تاريخية إلا واعترتها ممارسات خاطئة وتشوهات عميقة أثرت وتركت ندوباً غائرة ما فتأت قاصمة منكية لجوهر الإسلام الحقيقي الذي يمكننا العثور عليه في آسيا وأوروبا وأمريكا، ولا نجده في موطنه ومهبط وحيه، فسواء كانت هذه الأخطاء نتاج صراع سياسي على الحكم، أو أنها ارتكبت بفعل التأويل الخاطئ للنص المقدس المنزل على لسان نبيه أو للأحاديث النبوية التي تم جمعها تالياً - بعيد أن اختلفت وتعددت وتنازعت الأقوام حول صحتها ونسبها وتطبيقها - فكل ما نراه من تشوه وانحراف وإساءة وغلو يستلزمه باعتقادي الشيء الكثير تصويباً وتنقية وتمحيصاً وعقلنة وعصرنة وتحريراً وتأويلاً وتوقيراً وتقديساً.
فهذا الدين القويم الذي نباهي بكونه لكافة أمم الله - فيما ممارسة البعض منا تريده مختزلاً بطقوس وشعائر وأفكار وممارسة جامدة ومتخلفة لا ترتقي لعظمته وسموه - لم ولن يكون مخصوصاً ومحتكراً بفئة أو طائفة أو لون أو عرق أو جنس ؛ بل هو دين الله ولكل خلقه، ودون فروق أو تمايز أو تعالي أو قداسة أو رهبنة أو وساطة، فيكفي الإنسان هنا أن يكون مؤمناً تقياً والسلام ! فالمساواة من الله والتمييز بدعة صنعها البشر.
محمد علي محسن
كهنة الطغيان والاستعباد !! 2737