11 / 11 / 2011، تاريخ يشعرك بالهيبة والتميز، تميز ليس سببه تميز الرقم ذاته، ولكن تميز ما حدث في هذا التاريخ، وفي هذا اليوم المشهود الذي انقلبت فيه موازين، وتحولت فيه آراء كانت تقف بتعصبٍ أعمى مع طرفٍ ضد آخر، و(تعملقت) فيه ثورة العباد بعد (تقزم) الفساد والاستبداد، والأهم من هذا كله أنه في هذا التاريخ حدث السقوط المدوي مع ارتقاء الشهيدات الثلاث إلى بارئهن، فحينها سقط أشباه الرجال تحت أقدام النساء، ويا له من سقوط، ويا له من يوم!..
فمنذ اندلاع الثورة الشعبية كنا نتوقع استبسالاً منقطع النظير من أرباب الحكم في الدفاع عن حكمهم الذي جعلوه مصدراً لثرائهم على حساب إفقار الشعب وتجويعه، وحدث ذلك بكل السبل والأساليب، وتوقعنا أيضاً أن يسقط الشهداء واحداً تلو الآخر بفعل استخدام القوة في قمع المظاهرات، وحدث ذلك وارتقى أكثر من ألفي شهيد توزعوا على محافظات اليمن أجمع، وتوقعنا أيضاً أنه لولا انضمام الشرفاء من الجيش والأمن إلى صفوف الثورة لكان المخلوع قد أحرق الأخضر واليابس، وهدَّم كل ما يقف أمامه، وجرف كل ما يعترض طريقه، وكان ذلك هو السيناريو المعد له ولكن أقدار الله لم تمهلهم لتنفيذه، توقعنا الكثير فكان الكثير والأكثر، لكن الذي لم نتوقعه وحدث كان شيئاً واحداً، وهو أن تسقط النخوة عند بعض أبناء يمن الإيمان والحكمة إلى الحضيض ليعتدوا على النساء حتى وصل الأمر إلى القتل الذي ابتدأ بالشهيدة عزيزة، وصولاً إلى (قمة السقوط) المتمثل في قصف مصلى النساء بساحة الحرية في تعز بالقذائف، والذي نجم عنه ارتقاء نخبة نساء تعز، وأكثرهن تشوقاً للحرية، كُنَّ ثلاث نساء بعدد حروف تعز الثلاثة (تفاحة، ياسمين، زينب)... وشهد ذلك المنظر العالم أجمع من خلال شاشات التلفزة التي نقلت الأحداث التي أصابت جميع من شاهدها بالوجوم والتبلد، خاصة من يعرف طبيعة المجتمع اليمني المحافظ على المرأة والمحذر من التمادي عليها تحت أي ظرفٍ من الظروف!..
نساء تعز قدمن الكثير للثورة منذ بدايتها، حتى أنني أحياناً كنت أشعر أن الثورة التي تجتاح قلوب النساء أكثر اشتعالاً وعزيمة وإصراراً من قلوب الرجال، كانت مسيراتهن أكثر تنظيماً، وأشد حماساً، خرجن في حر الشمس، وفي برد المطر، قاومن الرياح القوية، وتحدين كل عوامل الطقس المختلفة باختلاف أشهر الثورة الطويلة، وقفن أمام جبروت العسكر، واجهن المدرعات ووقفن بثبات أمام قاذفات المياه سواءً الحارَّة أم المخلوطة بمياه المجاري أو مادة (الأسيد) الحارقة، تقدمن حين تراجع الرجال، فلن أنسى مشهد الثائرة (كفاء وازع) وهي تتقدم أمام مستشفى الثورة بتعز بعد ضرب الرصاص العنيف باتجاه إحدى المسيرات وتراجع الرجال إلى الخلف، فعطفاً على كل هذا كان لا بد أن تتعمد شهادة ثوريتهن بالدم، فكان ذلك بدم عزيزة ابتداءً، ثم كان بدماء تفاحة وزينب وياسمين في اليوم المشهود، يوم حَفَر قيران وجنوده لأنفسهم الأخدود، أخدود الذل والعار الذي انغمسوا فيه حتى أخمص أقدمهم، ورسموا لدولة المخلوع المتهاوية مسار النهاية الذي لم يدم طويلاً، فماذا بقي لهم من جريمة أشد ليفعلوها بعد قتل النساء؟!..
11 /11... يومٌ يستعصي على الوصف، ويصعب على الكتابة، يومٌ أسود من جهة، وأبيض من جهة أخرى، أسود من حيث أنه سقطت فيه أجساد، وتوقفت فيه قلوبٌ عن الخفقان، وسالت فيه الدماء بغزارة، وبكت فيه القلوب قبل العيون، وأحزن كل من تابع ما حدث فيه من مأساة بينت أن النفس البشرية عندما تتخلى عن قيمها ومبادئها تتحول إلى مخلوقٍ وحشي أكثر توحشاً من الوحوش ذاتها، وهو يومٌ أبيض لأنه كان مساراً فاصلاً في عمر الثورة، فقد زادها اشتعالاً، وأعاد لها بريقها من جديد، وجعل العالم يعرف دموية النظام الذي كان يحكم قبضته على اليمن، وجعل كثير من مناصري النظام المنزوع من الحكم يغيرون قناعاتهم بعد أن رأوا سقوط النساء على مرأى العالم أجمع بفعل حماقات أشباه الرجال وحقدهم الدفين على الثورة والثوار.. ورُبَّ ضارةٍ نافعة، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم!..
الرحمة لشهيدات ذلك اليوم الخالد في قلوبنا وعقولنا معاً، والسلامة للجريحات جميعاً، والحرية للشعب عامةً... والخزي والذل والعار لكل من يظن أنه رجل، حتى تريه النساء معنى الرجولة الحقيقية كما فعلت تفاحة وزينب وياسمين اللائي قدمن درساً مجانياً في الرجولة الحقة، ولو كان ذلك على حساب حياتهن، فلا يهم حياة واحدة، طالما ستبقى بسببها ألف حياة..وحياة.
طارق فؤاد البنا
حين سقط أشباه الرجال تحت أقدام النساء! 3890