إذا كان اليمنيون على مشارف مؤتمر الحوار الوطني فلا أعتقد أن فرقاء العمل السياسي وسائر الأطراف في اليمن يجهلون أهمية الحوار وفاعليته لحل معضلات اليمن المختلفة، ولا أعتقد أن من هؤلاء من يجهل أيضاً خطورة الخيارات الأخرى، ولعل في هذه المرحلة الحرجة والفارقة من تاريخ اليمن ستبرز مصداقية ووطنية الأطراف من عدمها، إذ أن الوطن الذي ينتسب إليه الجميع ويتباينون في رؤاهم وفي آلياتهم لحلول مشكلاته قد تبين أن لا حلول ناجعة لمشكلاته سوى الحوار الوطني ومن يخرج عن هذه القاعدة ويسعى للبحث عن حلول أخرى فاشلة أو مضرة، إنما يضر بالوطن ويؤكد أنانيته، بل يظهر كذب ادعاءاته لحب الوطن.
نحن هنا نتحدث عن اليمن شماله وجنوبه وشرقه وغربه، بعيداً عن المناطقية المقيتة التي تعد أحد أسباب تفاقم مشكلات البلاد، وبعيداً عن المذهبية المتعصبة والسلالية المستعلية، بعيداً عن
أجندات مشبوهة تستهدف الوطن لتحصد مصالح شخصية أو جزئية أو مؤقتة، إنه من العيب أن يرتهن الوطن اليوم وفي هذا المرحلة الحرجة لنزق شخصيات أو جهات ما في أي طرف كان على حساب الوطن، ومن المؤسف حقاً أن نرى صمت العقلاء الذين يعول عليهم دوماً أن يقولوا بمليء أفواههم الحقيقة مهما كانت التضحيات ومهما كانت العوائق والصعوبات.
إن الناظر لسائر مراحل التاريخ اليمني الحديث سيدرك مدى الأعاصير التي عصفت بالأنظمة الحاكمة والمشاكل الكبرى التي اجتاحت تلك الأنظمة وذلك كله بسبب نزق الكبار وسعيهم الحثيث لتحقيق المصالح الضيقة وتماهيهم مع بريق السلطة، والجهل الطاغي على الشعب وصمت العقلاء أو خوفهم من الصدع بالحقيقة.
لقد آن الأوان أن يسطر اليمنيون اليوم تاريخاً جديداً يتسم بالوفاق وأن يعملوا على تأسيس نظام مدني مستقر وأن يقطعوا الطريق على أصحاب الأهواء والنزق الذين كانوا سبباً في معاناة اليمنيين قديماً وحديثاً، علينا أن نكون يداً واحدة اليوم كي نؤسس لهكذا نظام، وعلينا أن نصد كل نزق يستهدف هذا الوطن المثخن بجراحات الماضي والحاضر.
إن اليمنيين اليوم أمام امتحان صعب وهم على مشارف مؤتمر الحوار الوطني، فهل سينجحون ويجتازون هذه المرحلة الحرجة ليخلدهم التاريخ؟ أم أن قوى النزق ستتغلب على منطق الحكمة، فتخطف وفاقنا وتهوي بالبلاد في مكان سحيق وحينها ستستمر حكاية المعاناة والتشظي وحينئذ لن ينفع الندم؟!.
غالب السميعي
الحوار .. لا التشظي ! 1385