إن المبادرة الخليجية شكلت مخرجاً سياسياً مناسباً وجنبت بلدنا الانزلاق إلى الحرب الأهلية، ويكفي أن العملية السياسية الجارية أوصلت جميع اليمنيين إلى أن يجتمعوا في طاولة الحوار الوطني،بدلاً من ذهابهم إلى ميدان الاقتتال، فالمبادرة حقنت دماء اليمنيين واستبدلت لغة الرصاص بلغة الحوار والوفاق. وسيكون الحوار الوطني هو المعيار الرئيسي لنجاح المبادرة أو تعثر تنفيذها.
إن نجاح المبادرة ومستقبل اليمن مرهون بنجاح الحوار الوطني القادم وهو فرصة ذهبية لليمنيين لم تتح لهم من قبل، وبدعم دولي وبالرغم من أن هناك أطرافاً تسعى إلى عرقلة التسوية السياسية، وقرار مجلس الأمن الدولي الأخير بشأن اليمن رقم (2051)اعترف بوجود عراقيل،وطالب بوقف كافة الأعمال التي تقوض حكومة الوفاق وجهود التسوية والانتقال السلمي للسلطة،وعبر المجلس عن استعداده لاتخاذ مزيد من التدابير ضد معرقلي التسوية السياسية.
كما أن وزارة الخزانة الأمريكية أصدرت لائحة إرشادية أولية تتضمن عقوبات جديدة بشأن معرقلي المبادرة،وأوضح القرار مجموعة من التصنيفات لمن تطالهم العقوبات،منها على سبيل المثال: "كل من ضلع بطريق مباشرة أو غير مباشرة في أعمال تهدد أمن واستقرار اليمن بما في ذلك الأعمال التي تعرقل تنفيذ المبادرة الخليجية أو العملية السياسية في اليمن " ونصت العقوبات المتضمنة بهذا القرار على : حظر وتجميد كل الممتلكات والأموال داخل الولايات المتحدة الأميركية ومنع تحولها أو دفعها أو حتى التعامل بها لأي من الأشخاص الذين تحددهم وزارة الخزانة الأميركية بالتشاور مع وزارة الخارجية.
والعوامل الداعمة للحوار موجودة فالمجتمع كما سمعنا لن يسمح بعودة اليمن إلى مربع الصفر،كما أن الشعب اليمني أصبح اليوم أكثر وعياً بحقوقه ولن ينجر إلى مربع المهاترات والخلافات التي تريدها بعض الأطراف.
والمشكلة اليوم أن مؤسسات الدولة تدار بأدوات النظام القديم والأكثر إشكالية بقاء قيادات عسكرية وسياسية تورطت في جرائم قتل أبنائنا ونسائنا وأطفالنا، وبلا شك فإن بقاء هؤلاء في مواقعهم يتيح لهم القيام بمحاولات لعرقلة المبادرة.. والذي يتابع سيجد أن المجتمع الدولي أثبت صدق نواياه تجاه دعم الانتقال السلمي للسلطة في اليمن انطلاقا من أهمية اليمن وموقعها الاستراتيجي،وقدم المانحون وعودا بتقديم الدعم المالي لليمن من أجل تجاوز أزماته الاقتصادية،لكن كما قال مدير البنك الدولي في اليمن فإن مستقيل اليمن يحتاج إلى أكثر من الوعود.
وللأسف فإن الولايات المتحدة تركز على أولوية الملف الأمني وعلى مكافحة الإرهاب،في حين يتطلب واقع اليمن من أمريكا والمانحين الأوروبيين والخليجيين التركيز على التنمية.لأن الإرهاب والفوضى تغذيان من البطالة.. صحيح إن اليمن تجاوز المرحلة الأولى من خلال تشكيل اللجنة العسكرية والأمنية وإجراء الانتخابات الرئاسية والبدء في الخطوات الأولى لإنهاء الانقسام داخل الجيش.. و لا يوجد أمامنا خيارات عديدة،فإما نجاح المرحلة الانتقالية أو أن تذهب اليمن إلى الصوملة والعرقنة.
ولكن التفاؤل قائم واليمن على أبواب الحوار الوطني الذي سيحدد معالم المستقبل وصورة اليمن الجديد بشكل عام.لأن الحوار الوطني يمثل خطوة مهمة على طريق تحقيق التوافق والاستقرار،والشعب اليمني يعول على نتائج مؤتمر الحوار في إيجاد حلول عملية لجميع المشكلات العالقة.
ونجاح الحوار يرتبط بوجود إرادة صادقة ومخلصة من كل الأطراف للدخول في حوار شامل لا يستثني أجدا،وتحت سقف الوحدة.. وقد جاء تشكيل اللجنة التحضيرية للحوار واللجنة الفنية خطوة أولية في الطريق إلى الحوار الوطني،والمؤشرات إيجابية،وهناك إرادة دولية لإنجاح الحوار،والحاجة ماسة لنبذ المواقف المتشددة: لأنه لا يمكن أن ينجح الحوار الوطني بدون شعور جميع الأطراف بخطورة المرحلة والعمل بمسؤولية وتجاوز الخلافات وتقديم تنازلات من أجل إخراج اليمن من أزماته والمضي قدماً نحو المستقبل.
محمد سيف عبدالله العدينى
الحوار الوطني المعيار الأهم لنجاح المبادرة 2053