أحد المستشرقين الأجانب زار اليمن وحاول تأمل الواقع اليمني وخرج بقوله المشهور " الله لا يوجد إلا في اليمن" وهي عبارة يريد من خلالها الإشارة إلى أن الشعب اليمني يسير على البركة ولا يعتمد التخطيط في شتى حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وجمال بن عمر كغيره من مبعوثي الأمم المتحدة إلى اليمن الذين جاءوا من أجل حل أزمات يمنية خلال عشرين عاماً مضت، إلا أن الفارق بين جمال بن عمر وغيره أنه يعمل في ظل تغييرات دولية سواء على مستوى النظام العالمي أو الإقليمي، حيث ترتب على نشأة النظام العالمي الجديد آثار قانونية منها على سبيل المثال لا الحصر:
أ ـ تطوير دور المنظمات الإقليمية.
ب ـ تطوير أسس التعاون بين المنظمات الدولية والإقليمية الذي من شأنه التخفيف من الآثار المترتبة على أحداث العام 2011 في دول الربيع العربي.
ج- تطوير دور المبعوث الدولي في التخفيف من وطأة وآثار النتائج المترتبة على أحداث الفعل الثوري في دول الربيع العربي.
د- تطوير دور المنظمات الإقليمية والدولية في حل الصراعات الداخلية للدول الأعضاء وبالشكل الذي يخفف من الآثار السلبية لهذه الصراعات ويقلل حجم الأضرار أو يعجل بإحلال السلام بين الأطراف المتنازعة وعلى وجه الخصوص الأمم المتحدة عبر جهازها (مجلس الأمن) الذي كان الهدف من إنشائه ـ من بداية الأمر ـ حفظ الأمن والسلم الدوليين من خلال تفعيل الفصل السابع أو على الأقل التلويح باللجوء إليه.
وسنحاول من خلال هذا المقال الهام من وجهة نظرنا الخاصة إبراز ثلاث نقاط أساسية كالأتي:
أولاً: إبراز الدور الفاعل للمبعوث الأممي في التخفيف من أحداث الفعل الثوري في بعض دول الربيع العربي وعلى وجه الخصوص اليمن وما يترتب على هذا الدور من صنع السلام وتجنيب قطاع كبير من بني الإنسان أهوال الحروب والدمار.
ثانياً: التطورات الحديثة في القواعد والأسس الدولية التي تحكم دور المبعوث الأممي في هذا المجال.
ثالثاً: الأخطاء الاستراتيجية التي من الممكن أن يقع فيها المبعوث اليمني وتكون بذلك أسباباً رئيسة لفشل جهوده الدبلوماسية.
أولاً: الدور الفاعل للمبعوث الأممي:
لا يختلف اثنان في اليمن حول أهمية وفاعلية دور المبعوث الأممي جمال بن عمر في حل المنازعات المترتبة على أحداث الفعل الثوري في اليمن.
فلا يمكن تجاوز الآثار الخطيرة والمدمرة لنواحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في ظل انعدام مقومات الدولة الحديثة وتلاشي ما تم انجازه من البنية التحتية للمجتمع اليمني في كافة المجالات. بالشكل الذي لا يقتصر على الجانب الاقتصادي والاستثماري، بل تجاوز ذلك إلى الجانب الخدمي وحقق أضراراً بليغة بالاحتياجات الأساسية للمواطن اليمني.
بالإضافة إلى ما يترتب على ذلك من انعكاسات سياسية واقتصادية خطيرة على السياسات الإقليمية والدولية وقد بدا فاعلية دور المبعوث الأممي في اليمن جمال بن عمر من خلال المظاهر الأتية:
1ـ الجهود الدبلوماسية والسياسية الواعية والحريصة على الوصول إلى حل سلمي.
2ـ الاستفادة من الجهود السياسية والدبلوماسية العربية التي سبق بذلها في الوصول إلى حل سلمي ومحاولة البناء عليه وتكميله بجهود دولية مدعومة بقرار مجلس الأمن الدولي وهي ضرورة لازمة لتنفيذ بنود الاتفاقية الخليجية لما يحققه هذا المجلس من سلطة قانونية دولية قادرة على توقيع عقوبات متنوعة ومناسبة على الطرف المتخاذل في حل الصراع ولما أتاحه له الواقع الدولي المعاصر من مناخ وقدرات تمكنه من إصدار القرار وتنفيذه على الواقع بسهوله ويسر.
3ـ الوضوح والشفافية مع أطراف النزاع من خلال توضيح المخاطر والآثار المترتبة على الفعل الثوري في اليمن ومدى خطورة ذلك على السلام الإقليمي والدولي والجوانب السياسية والاقتصادية لدول الإقليم على وجه الخصوص والعالم بوجه عام.
4ـ الاحترام والتقدير الذي يوليه اليمنيون لمبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر بما يترتب على ذلك من الاستماع لآرائه وتنفيذ طلباته التي يسديها لأطراف الصراع خلال زيارته المتكررة لليمن في إطار حله للصراع.
5ـ دقة التقارير الدولية التي كان يرفعها لمجلس الأمن وحسن الصياغة السياسية والقانونية لهذه التقارير بالشكل الذي يتناسب وأهمية وخطورة القرارات التي ستصدر استناداً عليها.
ثانياً: التطورات الحديثة في القواعد والأسس الدولية التي تحكم دور المبعوث الأممي في هذا المجال:
حيث يمكننا تحديد أوجه هذه التطورات كالأتي:
1ـ التكامل بين الجهد الدبلوماسي والسياسي العربي والدولي:
حيث بدا من خلال دور المبعوث الأممي لليمن ـ بشكل واضح التراكم في الجهود الدبلوماسية والسياسية والعربية والدولية ذلك ـ أنه لا يمكن للجهود الدبلوماسية والسياسية التي بذلها مجلس التعاون العربي من تحقيق الحماية الكاملة للمصالح الوطنية والدولية بدون تعاون مع الدبلوماسية الدولية ممثلة بالأمم المتحدة بالصورة التي يصنع العرب من خلال تعاونهم هذا وسائل العقاب القانوني الدولي المتعدد والمتنوع وإمكانية توقيعه من خلال السلطة القانونية الدولية المخولة بمقتضى نصوص القانون الدولي والقادرة على تنفيذ الاتفاقية العربية ذات الطابع الإقليمي بأسلوب قانوني وإمكانيات ووسائل قانونية دولية يحقق الحماية القانونية لبني الإنسان ويعيد السلم والأمن المحلي والإقليمي والدولي إلى وضع الاستقرار.
2ـ تصحيح أخطاء الوسيط العربي في رسم إطار الجهد الدبلوماسي السياسي والعربي لحل الصراعات الإقليمية الذي ذهب في صياغته للحل بعيداً عن الأسس والمبادئ القانونية الدولية التي لا يجوز بأي حال من الأحوال تجاوزها عند إضفاء الطابع الدولي على أي اتفاقية سياسية لما يترتب على ذلك من أضرار بالغة في الحقوق والحريات الإنسانية.
رابعاً: الأخطاء الاستراتيجية التي من الممكن أن يقع فيها المبعوث الأممي وتشكل أسباباً رئيسية لجهوده الدبلوماسية:
في تقديري إن هناك خطأين استراتيجيين من الممكن أن يقع فيهما المبعوث الأممي جمال بن عمر أثناء حل الصراع اليمني قد تشكل في رأي الخاص عوامل مانعة لنجاحه في جهوده الدبلوماسية وصناعة السلام في هذه المنطقة المتوترة والتي تلقى عناية خاصة من راسمي السياسة الدولية لما لها من أهمية خاصة من وجهة نظرهم وقد يترتب على ذلك ضياع فرصة أمام بن عمر في حصوله على جائزة نوبل للسلام في حالة نجاحه في إقرار السلم والأمن في المنطقة. ويمكننا الإشارة إلى هذه الأخطاء كالآتي:
1 – اعتماده على رموز قيادية سابقة لها دورها وتاريخها في صناعة أحداث التاريخ اليمني قبل الثورة وهي تأثر بذلك على أسلوب الحل الذي يقوم بن عمر بصياغته من خلال إضفاء الطابع الكلاسيكي في صناعة هذا الحل أو الاعتماد على أفكار متخلفة غير قانونية ولا تحقق العدالة والمساواة في تقسيم السلطة والثروة بين أبناء الشعب اليمني ولا تبنيها على أسس قانونية يقرها القانون الدولي ووثائق حقوق الإنسان التي كتبها المجتمع الدولي وطورها عبر تاريخ طويل وجعل من المنظمات الدولية حصوناً منيعة لحمايتها، كما أنه من الممكن أن يؤدي هذا الأمر إلى إعادة إنتاج حلول سابقة على الثورة ووضع متردي فاسد كما كان الحال قبل 2011.
2 ـ تجاهل جمال بن عمر لهيكلة الجيش والأمن والإسراع بالحوار دون حسم هذا الأمر ذات الأهمية القصوى والذي من الممكن أن يعود باليمن إلى تسعينات القرن الماضي وللمبعوث الأممي السابق الذي كان له دور ـ في حل صراع ما قبل 1994 وتحول الوحدة نحو حرب 1994 ـ خبرة في ذلك كان من الضروري على جمال بن عمر دراستها والوقوف أمامها وتأملها طويلا قبل إعطاء إشارة البدء بالحوار الوطني.
د. ضياء العبسي
مهارات بن عمر.. وإنقاذ اليمنيين 1931