كتبنا في مقال سابق بعنوان " ابتسامة توكل ودموع باسندوه" أننا سنصيغ دستور الدولة المدنية الحديثة في ضوء ابتسامة توكل ودموع باسندوه وقد أحاط هذا المقال عند كتابته ونشره وقراءته من القارئ الكريم هالة من التفاؤل التي كانت سمة الفترة الزمنية التي كتب فيها هذا المقال.
وفي فتره لاحقة قدمنا توصيات للعم باسندوه بضرورة إعادة صياغة السياسة العامة للحكومة بالشكل الذي يحقق الأهداف العليا من ناحية ويلبي متطلبات أبناء الشعب اليمني ويحقق مطالبه الأساسية من كهرباء وماء واقتصاد سليم دون انقطاع في تقديم الخدمات العامة أو فساد يشوب الحصول عليها أو ارتفاع أسعار ينغص على المستهلك حقه في شراء ما يحتاجه من سلع استهلاكية وكان ذلك في مقال سابق بعنوان " سياسة الحكومة وحقوق الطبقة الوسطى".
وتأتي كتابة هذا المقال شديد الأهمية ليقدم وجهة نظرنا العلمية التي من خلالها نحاول رسم تصور بسيط لإعادة رسم سياسة الحكومة كما يكتسب هذا المقال أهميه إضافية من كونه يأتي بعد عام كامل من تشكيل حكومة الوفاق برئاسة محمد سالم باسندوه، كما نعتبر هذا المقال بمثابة محاولة يتقدم بها أكاديمي متخصص بالقانون العام لإنقاذ حكومة الوفاق من السقوط في الهاوية.
وقبل الخوض في الموضوع الأساسي لهذا المقال من الضروري التأكيد على احترامنا وتقديرنا لمعالي رئيس الوزراء اليمني العم/ محمد سالم باسندوه وعلى أن تقديم بعض التوصيات أو إبداء بعض الانتقادات البناءة لا يعني إطلاقا التقليل من المكانة التي يحتلها معالي رئيس الوزراء في قلوبنا وتقديرنا العالي لوطنيته ورغبته المخلصة في الارتقاء بهذا الوطن والخروج به من المأزق الحالي إلى بر الأمان.وقد جاء توجيه خطابنا إلى معاليه عبر هذا المقال في إطار ودي كما عودنا ذلك منذ تكليفه تشكيل الحكومة لإدراكنا جيدا انه المسئول الأول عن رسم السياسة العامة للحكومة واختيار الأسلوب الأمثل لتنفيذها على أرض الواقع ولما لمسناه من رغبة حقيقية صادقة لديه في إصلاح الوضع وخدمة الوطن.
1 ـ عمنا العزيز/ باسندوه أشرنا في مقال سابق بعنوان " سياسة الحكومة وحقوق الطبقة الوسطى" إلى ضرورة إعادة صياغة هذه السياسة بالشكل الذي يجعل لها جانبين هما:
الجانب الأول: جانب السياسة العليا للحكومة والذي يتضمن ما يتعلق بمهام الحكومة التاريخية والذي أشرنا إليه في مقال سابق بعنوان (ابتسامة توكل ودموع باسندوه).
الجانب الثاني: ولذا فصلناه أيضاً في مقال سابق بعنوان (سياسة الحكومة وحقوق الطبقة الوسطى) من أجل توضيح مفردات هذا الجانب الهام المتمثلة بحقوق الأغلبية من أبناء الشعب اليمني مع إبداء رأينا حول وجود قصور شديد في رسم السياسة العامة للحكومة من خلال إهمال هذا الجانب بشكل كلي عند رسم السياسة العامة.
2 ـ إن الأمر الذي أردنا توضيحه من خلال مقالتنا هذه حرصاً منا على نجاحه في الانتقال باليمن إلى بر الأمان ومن خلال أسلوب ودي عودنا عليه منذ توليه شؤون هذه الحكومة هو دعوتنا معاليه وبكل ما نملك من حس وطني إلى ضرورة إعادة صياغة السياسة العامة للحكومة بالشكل الذي يجعلها سياسة وطنية لا تعبر في ثناياها ومفرداتها التفصيلية عن طرف دون آخر أو تهتم بمصالح قوى وجماعات مسيطرة على واقع السياسة اليمنية وبالمقابل تهمل مصالح أبناء الشعب الذين يمثلون الأغلبية ومصلحة الوطن العليا، لأنها ببساطة رسمت على أسس متخلفة لا صلة لها بالأسس العلمية والسياسية والقانونية وتجاهلت في أساسها هذا متطلبات الواقع اليمني الذي هو مصدر الثورة، كما تجاهلت السبب الرئيس لاشتعال ثورات الربيع العربي الذي يتمثل في العامل الاقتصادي.
إن الأسلوب الذي رسمت به السياسة هو ذلك الأسلوب الكلاسيكي الذي عهد إليه اليمنيون عند كل أزمة تحل بين أطراف العمل السياسي وعلى الأخص الحزبين الرئيسين الإصلاح والمؤتمر، بل إنها تجاهلت حتى أقوال الحكماء من السياسيين المخضرمين أمثال الأستاذ الفاضل/ياسين سعيد نعمان الذي كان يقول بالبعد عن المحاصصة والتقاسم.
إن هذا الأسلوب السابق ذكره هو أسلوب متخلف للغاية ينم عن تخلف الديمقراطية السياسية والإدارية المتخلفة من الناحية العلمية القانونية لذلك فإننا ندعو معاليك إلى إعادة صياغة السياسة العامة لحكومتك وفق الأسس الآتية:
1 ـ رسم سياسة وطنيه تحقق مصالح الشعب اليمني كوحدة واحدة وتحقق مصالحه العليا وحقوق أبناء شعبه على النحو المشار إليه سلفاً.
2 ـ أن يتولى معالي رئيس الوزراء رسم سياسة حكومته بنفسه ويفرضها على وزراء حكومته الذين يجب عليهم تنفيذها دون امتعاض أو رفض أو اتصال بأحزابهم وبالشكل الذي يجعلهم في ذلك فريق واحد ويجعل من معالي رئيس الوزراء مسئولاً عن تنفيذ هذه السياسة ومدافعاً عنها محاولاً بذلك إقناع الشعب والقوى السياسة المختلفة في الميدان بضرورات تنفيذها والالتزام بتفاصيلها لإخراج اليمن من المأزق الذي يعيشه على أن يكون ذلك من خلال قناعته بها التي هي مصدر أسلوبه في إقناع من حوله على غرار أسلوب الرئيس المصري مرسي وبنفس قوته وتصميمه.. إن افتقاد معالي رئيس الوزراء لهذه القدرات التي يجب أن يتحلى بها رئيس الوزراء أحد الأسباب الرئيسة لفشل سياسته.
3 ـ من الضروري رسم السياسة العامة للحكومة على جانبين بأهمية متوازية لكلاً منهما، لأن من شأن رفع أهمية الجانب المتعلق باحتياجات الناس ومطالبهم الأساسية وجعل هذا الجانب بنفس أهمية جانب المصالح العليا للدولة من شأنه أن يحقق النتائج الآتية:
1 ـ القضاء على الفساد أو الحد من جزء كبير منه.
2 ـ تحسين الحالة الأمنية والاستقرار السياسي.
3 ـ تحسين العمل الإداري في المرافق العامة للدولة والحفاظ على المبادئ العامة للمرفق العام الثلاثة والتي من أهمها انتظام سير المرفق العام وتحقيق المساواة بين المنتفعين بخدمات المرافق العامة وشغل المراكز الوظيفية فيها.
4 ـ تلبية الحاجات الأساسية للمواطنين وتحسين اقتصاده وتوفير الخدمات الأساسية لأبناء الشعب على أساس المساواة بعيداً عن الرشوة في نطاق الوظيفة العامة ومراقبة أسعار السلع.
د ـ إن إعادة رسم السياسة العامة للحكومة وفق التوصيات السابقة ضرورة ملحة في تقديري الخاص، لما في ذلك من حفظ للأمن العام والأمن الخاص لا يقل أهمية في جانب تلبية الحاجات الأساسية للمواطنين والخدمات الأساسية عن الجانب الآخر الذي هو جانب المصالح العليا وخاصة مرافق الجامعات وقد وضحنا تفاصيل ذلك في مقالة سابقة بعنوان (سوى نحميها).
د. ضياء العبسي
سياسة الحكومة.. والسقوط في الهاوية 1771