من السهولة بمكان القول ان البعض في جنوب اليمن يطالبون بالانفصال أو العكس إالا انه وفي كل الأحوال فان ذوي التوجهات الانفصالية سيظلون قلة منحرفة عن التوجه العام للشعب اليمني في الشمال والجنوب وهذه القلة لا تعي ربما مخاطر الدعوات التى ترفعها ولا تستشعر أصلاً ان أي محاولة انفصالية لن تسير وفق خطوط شمالية- جنوبية.. بل ان الشمال لن يكون شمالاً ولا الجنوب جنوباً بل ان اليمن سيتمزق الى كنتونات متصارعة ومتناحرة تأكل بعضها بعضاً.
وفيما أصبح موقف الخارج حيال مايعتمل في اليمن واضحاً ومفهوماً فانه وعلى النقيض من ذلك فمازالت المواقف في الداخل يلفها الغموض والضبابية والتشويش وكل مانراه ليس سوى أحزاب ترعد في الفضائيات وتئن في الصحف وتقسم في الاجتماعات على حسن نيتها وحرصها على سلامة اليمن وأمنه واستقراره وهذا مايفسر تخبط هذه الأحزاب وفشلها في التوصل الى خطاب ذي رؤية معاصرة ينطلق من الحاضر ليؤسس لمشروع المستقبل وإخفاقها ايضاً في التوافق على أولويات هذا المشروع لأنها بالفعل لم تحاول إجراء مراجعة شاملة لتوجهاتها ومواقفها حتى يتسنى لها الانطلاق بواقعية في إطار الممكن والمتاح بدلاً من التقوقع في حالة الانقسامات التي تدفعها دائماً الى الانكفاء على الذات او الصدام مع الآخر كما هو حال أحزاب اللقاء المشترك اليوم التي ورغم تحالفاتها لازالت تختلف على مسألة التمثيل في مؤتمر الحوار وأولويات الحوار والكيفية التي سيجرى فيها هذا الحوار.. فيما نجد المؤتمر الشعبي العام يصطدم بالعديد من المشكلات ويصنف اليوم بين حمائم وصقور.. وفي المقابل فان جماعة الحوثي لم تقدم حتى الآن مشروعاً واضحاً يحدد رؤيتها ومطالبها الحقيقية إذا ماعلمنا ان هذه الجماعة ترفض حتى الآن الانخراط في العمل السياسي وتكوين حزب يمارس دوره في الحياة السياسية ضمن بقية الأحزاب ونستنتج من ذلك انها تتجنب الوضوح لكي لا تكشف عن أهدافها الحقيقية.
وعلى نفس المنوال فان أطراف القضية الجنوبية متباينة في مواقفها واشتراطاتها.. فالمتطرفون منها يصرون على تفكيك اليمن وإعادته إلى مربع التجزئة والتشطير قبل عام 1990م والمعتدلون منهم يرغبون في أن يكون الحوار حول تمكين أبناء الجنوب من الوصول إلى تقرير المصير خلال خمس سنوات ويرفضون أي حوار يؤدي إلى بناء يمن جديد يضم الجميع.. أما الفريق الثالث فهو الذي يدعو الى إصلاح شامل للدولة وإعادة الاعتبار للجنوبيين وحل مشاكلهم ومظالمهم في إطار فيدرالي من كيانين وفي الحد الأعلى من أربعة كيانات فيدرالية.
ومن المفارقات التي تثير الانتباه أن كثيراً من القوى والتيارات اليمنية هي من ترتهن إلى من لا فقه له في السياسة فيجنون عليها ويستنزفون طاقاتها إلى درجة تصبح فيها عاجزة عن التمييز بين الخطأ والصواب لتلحق بذلك الضرر بوطنها من حيث أرادت الدفاع عنه.
صحيفة الرياض
علي ناجي الرعوي
اليمن.. وضوح الخارج وغموض الداخل 1595