لا تقل هيكلة الإعلام الرسمي أهمية عن هيكلة الجيش والأمن في هذه المرحلة وقبل الشروع في مؤتمر الحوار الوطني، فالإعلام الرسمي الذي كان شريكاً أساسياً للنظام السابق ولقواته في قتل الشباب السلميين والتحريض على العنف ضدهم هو اليوم نفسه لا يزال رهن إشارة صالح ويعيش بعقلية العائلة البائدة لا بعقلية الشرعية الدستورية الحالية المستمدة من الشرعية الثورية ولم يتحرر بعد من النمطية الموغلة في النفاق وتزييف وعي المتلقي على حساب المهنية والموضوعية اللتين افتقدهما منذ ما يزيد على ثلاثة عقود اعتمد فيها الدجل والتضليل وتسطيح عقلية الجمهور المستهدف وتشويه الرسالة الإعلامية بانزلاقه في مستنقع تمجيد الحاكم وإضفاء القداسة على فخامته والتسبيح بحمده وصفاته وألقابه.
ومن ناحية أخرى لم تكن الكفاءة والمؤهلات العلمية معيار التوظيف في المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون وإنما هناك معايير أخرى لعل أبرزها الولاء المطلق للنظام والقرابة والمؤهل الأمني وإن كان هذا المعيار يخضع في الغالب لاجتياز المقابلة الشخصية الأمنية وحصول طالب التوظيف على موافقة جهاز الأمن السياسي قبل إنشاء جهاز الأمن القومي الذي أسندت له فيما بعد هذه المهمة وبالتالي لا غرابة أن نجد من يتصدر المشهد الإعلامي في قطاع الإذاعة والتلفزيون هم اليوم من أنصاف المتعلمين ومعظم المؤهلات التي يحملونها في الغالب لا تتجاوز الشهادة الثانوية ومع هذا تسلموا مواقع قيادية وإدارية ما يزال الكثير منهم يشغلها حتى بعد إحالتهم للتقاعد.
لقد مارس الإعلام الرسمي كل أنواع الدجل والتضليل والزيف طوال 33 عاماً من الحكم الأسري المتخلف وبرر لكل جرائمه وحروبه التي خاضها ضد خصومه السياسيين وكان أكثرها سقوطاً وقوفه العدائي ضد رغبات الجماهير في التغيير وبناء اليمن الجديد، فلم تكتف هذه الوسائل الإعلامية التي تقتات من قوت الشعب وعرقه بممارستها التضليل الذي انتهجته كميثاق شرف لها، بل جندت كل إمكانياتها للتحريض على قتل المتظاهرين والمشاركة في دفع البلاطجة لتنفيذ أعمال تخريبية وممارسة العنف وتصوير تلك المشاهد ثم عرضها للرأي العام على أنها من فعل الثوار.. وفي الوقت الذي نقلت فيه شاشات التلفزة العالمية جرائم النظام السابق سواء في جمعة الكرامة أو في إحراق ساحة الحرية بتعز وما تلاها من قصف قوات صالح لمصلى النساء، كان الإعلام الرسمي حينها يحشد منافقيه ومرتزقته لتصوير تلك المشاهد الدموية بأنها مجرد بروفات مسرحية يؤديها شباب الثورة بهدف كسب تعاطف الرأي العالمي.
خلاصة القول: بقدر ما تفاءل شرفاء الإعلام الرسمي والمتابعون للشأن الإعلامي المحلي عند تسلم الأستاذ/ علي العمراني وزارة الإعلام، بقدر ما أصابهم الإحباط نتيجة لإبقاء الوضع على ما كان عليه قبل اندلاع ثورة الشباب السلمية سواء من حيث استمرار الفاسدين في مناصبهم أو فيما يخص الرسالة الإعلامية والتي في الغالب ما تزال تصب في خدمة صالح ونظامه السابق وكان الأحرى بالوزير أن يبدأ فور تسلمه مقاليد الوزارة بفتح ملفات الفساد وتطهير هذه المؤسسات من الفاسدين وإحالتهم إلى القضاء جراء تحريضهم على قتل المتظاهرين إبان الثورة الشعبية ووضع حد لإهدار المال العام الذي يذهب إلى جيوب الفاسدين في قطاع الإذاعة والتلفزيون أو في المؤسسات الصحفية، بينما لا تساوي الرسالة التي تقدمها الثمن الذي تكتب به.. وللحديث بقية.
عبد العليم الحاج
هيكلة الإعلام الرسمي 1825