الثورة السلمية اليمنية من أعظم وأنبل الثورات العربية بل والعالمية, فقد نهض الشعب رجاله ونسائه شبابه وشيوخه وانتفضوا انتفاضة واحدة أمام جبروت المستبدين وترسانتهم المسلحة بمختلف أنواعها التي كدسها عبر عشرات السنين استعداداً لمثل هذا اليوم لمواجهة الشعب به ولكن إرادة هذا الشعب العظيم واجهت كل ذلك بصدور عارية وإيمان لا يتزعزع, فسقط منهم الشهداء تلو الشهداء وسالت الدماء وهم يواجهون كل ذلك بصبر وثبات ورباطة جأش واثقين أن النصر في النهائي سيكون لإرادة الشعب!
راهن النظام على عامل الوقت مستخدماً المراوغات تلو المراوغات مع قسوة في التعامل مع المعتصمين ظناً منه أن ذلك كفيل بإنهاء ثورتهم وكان يعتقد أنها زوبعة فنجان ولأن الإرادة كانت صادقة, فقد كان عامل الوقت - بدلاً من أن يفت بعضدهم ويضعفهم كما كان يظن النظام - فقد كانت المفاجأة أن طول الزمن يزيد الثورة وهجاً والثوار إصراراًا وجاءت المبادرة الخليجية بتعديلاتها المتعاقبة والبعض يعتقد أن هذه المبادرة كان الهدف منها كسب الوقت للقضاء على الثورة وبتواطؤ متعمد من بعض أطرافها ولكن صمود الشعب والتضحيات التي كان يقدمها ببسالة وصدق وإصرار جعل هذه المبادرة تتحول إلى حقيقة على الواقع واجبة التنفيذ, فتم التوقيع عليها, ثم تم انتخاب هادي رئيساً توافقياً للدولة وكانت المفاجأة أيضاً ذلك الإقبال الشديد من قبل كل فئات المجتمع للتصويت لهادي تأكيداً على رغبة الشعب في التغيير رغم الظرف الأمني الذي تزامن مع الانتخابات, فقد حصل ما يقارب السبعة ملايين صوت لم يسبق لأي مرشحين سابقين للرئاسة مجتمعين أن حصلوا على هذا العدد من المصوتين وكان ذلك ليس حباً في هادي بقدر ما هو حب في التغيير واستفتاء عليه..
وها نحن اليوم نعيش مرحلة جديدة لرئيس جديد أملً الشعب عليه وعلى قيادات اللقاء المشترك كثيراً وإذا بالأيام تمر والخدمات تزداد سوءاً والجيش لازال منقسماً والوضع الأمني سيئاً والفاسدون لا زالوا يحكمونا بل ازدادوا طمأنينة و وزراء الثورة في حكومة الوفاق أغلبهم تطبعوا مع الوضع القائم ونسوا أن إرادة الشعب هي التي أوصلتهم إلى هذه المواقع مع احترامي لجهود البعض منهم ويحلوا أحياناً لبعض مسئولي الدولة أن يصرحوا أن الوضع الأمني الآن أحسن حالاً, مما كان عليه الحال أثناء توليهم المسئولية ونسوا أن تلك الفترة كانت فترة ثورة ومواجهات وشيء طبيعي أن يكون الوضع حالياً أحسن حالاً من ذلك الوقت ولكن هل هذا الحال في الأمن بعد قرابة عام من تشكيل حكومة الوفاق وانتخاب رئيس جديد هو الوضع الذي ينبغي أن يكون؟, فالتقطعات يومية والاغتيالات مستمرة في كل المدن وأبراج الكهرباء تضرب يومياً وأنابيب البترول تخرب ولا يسمح بإعادة إصلاحها إلا بصعوبة بالغة والوضع العام في البلد مهدد بالانفجار في أي لحظة ليصبح أسوأ مما كان عليه ولا ندري لماذا الرضي بهذا الوضع من قبل الثوار الموقعين على المبادرة الخليجية؟ صحيح أن هناك إجماعاً شعبياً وإقليمياً ودولياً على ضرورة انتقال السلطة هذا ما نسمعه من كل الأطراف المشرفة على المبادرة ولكن الواقع لا يسير وفقاً لتلك الأقوال والتصريحات, فهل هناك أمر يحاك للبلد والشعب لا يدري؟, خاصة أن المبادرة لم تطبق بحسب ترتيب بنودها وهل وصلت القيادات الثورية إلى قناعة أنه ليس بالإمكان أحسن مما كان؟! وكأنه لم يبقى أمامنا إلا أن نتفق على نسب التمثيل في مؤتمر الحوار وما عداه فهو على ما يرام, إن كان ذلك كذلك, فهي والله مغامرة بالوطن وأمنه ووحدته وخيانة للأرواح التي أزهقت والدماء التي سالت, أقول ذلك بمرارة وأنا أقدر هذه القيادات ومواقفها الثورية وما تحلت به من حكمة أثناء الزخم الثوري ولكن ما أكتبه هو انعكاس لمشاعر الكثير من فئات الشعب الذين نلتقي بهم صباحاً ومساء ويدور الحديث معهم ويتكلمون بمرارة عما وصلنا إليه ولأن الكثير منهم لا يستطيعون أن يسمعوا أصواتهم لهذه القيادات, فأحببت أن أكتب اليوم بنبض الشارع والمعذرة للجميع, فكلمة الحق علمتنا الثورة أن لا نكتمها مهما كانت مُرة.
ورغم كل الآلام ومحاولة الذين لم يستوعبوا الدرس من عناصر النظام السابق إيقاف عجلة التغيير إلا أننا واثقون أن إشراقة صبح جديد قد لاحت بالأفق ولن تستطيع أي قوة إيقاف قدوم هذا الفجر المنير, فانهضوا أيها القادة الكرام ووحدوا الكلمة وأكملوا قيادة ما تبقى من المشوار لتنالوا شرف قيادة التغيير (وان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).
نسأل الله أن يخرج بلادنا إلى بر الأمان ويحفظها من كل سوء ومكروه
رئيس كتلة تضامن الأحرار بمجلس النواب
محمد مقبل الحميري
قيادات الثورة السلمية والحالة التي وصلنا إليها 2316