سأضم صوتي لصوت الدكتور صالح علي باصره الذي قال متهكماً: قولوا لنا ما هو سقف إخوتنا في الشمال؛ أما إخوتنا في الجنوب فسقفهم واضح، ومعلن، أعلاه استعادة الدولة وفك الارتباط، وأدناه فيدرالية بإقليمين أو أكثر.
نعم أجدني أسأل وإن بصورة مغايرة : أين أنتم يا قوى الحداثة والتغيير والتوحد الحضاري والديمقراطي مما يعتمل ويدور اليوم في عاصمة بلادكم " صنعاء "؟، أين مثقفوكم ونخبكم وأحراركم وثواركم ؟ وأين موضعكم من ثورة فبراير الشبابية الشعبية، ومن أهدافها وقيمها النبيلة والوطنية، ومن العملية السياسية والهيكلة والحوار ؟.
لا أقول أين كنتم من قضية نهب ثروة الجنوب ومكاسبه ؟ ومن تدمير دولته وجيشه ؟ ومن اغتيال مجتمعه ووجوده وحلمه وكرامته؟، فالمهم بالنسبة لنا نحن الذين مازلنا نحسب أنفسنا عند نقطة الوسط هو : أين يمكن العثور على الشمال؛ كيما تستقيم مفاهيم التوحد والتغيير والحوار وصياغة الدولة المدنية والدستور والتوحد ؟.
الحقيقة أننا لم نعثر على سبيل يفضي لمساق آخر يمكن أن يرتقي بنا لمصاف جديد ومغاير، نرى جعجعة ولا نرى طحيناً! أنها ذات المخاوف والهواجس والأجندات القديمة الجديدة المنافحة كي لا ينفرط عقد توحد لا معنى له أو قيمة من دون الإنسان ذاته،لا أريد الإسهاب في سرد مأساة عاشها مجتمع الجنوب وتجرع مرارتها وويلاتها ولدرجة جعلته يموت قهراً وكمداً دون إيصال وجعه ونجواه للآخرين.
لعقدين ونيف ومشكلة الجنوب والجنوبيين؛ إما أنهم فقدوا القدرة على إيصال معاناتهم وقناعتهم وقضيتهم، أو أن الآخرين استمرأوا شكواهم، أو أنهم عجزوا وفشلوا في استيعاب وإدراك مقدار الظلم الجائر في هذه البقعة القصية من اهتمام الدول الكبرى.
لماذا لا تُقرن صنعاء بعدن، وثورة الشباب بحراك المقعدين، وفصائل تقرير المصير والفيدرالية بمكونات ثورية داعية بالمقابل لتغيير جذري، ولدولة واحدة لا مركزية قابلة للحياة والتطور، وقبلهما بالطبع، إعادة الاعتبار للنظام الجمهوري، وللثورة، والوحدة، والمواطنة الحقة والمتساوية.
فبرغم ريادية وسبق ثورة الجنوب بكونها مثلت مستصغر شرر لثورات عربية تالية يحسب لها إسقاط الحكام المستبدين، كما وأسقطت والى الأبد التوريث للجمهوريات وللجيوش؛ إلا أن ما عاب ثورة الجنوب هو أنها لم تستطع المجاهرة بغايتها المتمثلة باستعادة الدولة الجنوبية ومكاسبها وجيشها ومساحتها وقيمها ومؤسساتها وخدماتها وثروتها وووالخ؛ بل تخلفت وقتاً طويلاً ومازالت متعثرة هائمة حتى يومنا هذا الذي اضطرت فيه لإعلان مطلبها.
لماذا عليَّ لوم أولئك الذين بات سقفهم تقرير المصير أو فدرلة على أساس إقليمين شمال وجنوب ؟ ألم يكن الأحرى معرفة ماهية الدولة التي تنشدها القوى القبلية المهيمنة والنافذة في الشمال ؟ فما نراه في الواقع لا بشيء بثمة سقف مرتفع يطاول الفضاء أو أنه قصير وضئيل يوازي الثرى.
يؤسفني الكلام عن شمال وجنوب، فلطالما أيقنت أن الجغرافيا مجرد مساحة وجهة لا نبض فيها أو حياة دون الإنسان الحر الكريم القوي الفاعل السعيد، وعودة للحديث عن واقع متشظي، فقد يقول البعض بان الشمال لديه أيضاً سقفه، فهناك الفيدرالية المتعددة الأقاليم كخيار ليس في رؤية أحزاب المشترك؛ بل والمؤتمر الشعبي وأحزابه التابعة له، كلام مثل هذا أجده صحيحاً من الناحية النظرية والخطابية.
لكنني هنا أتحدث عن واقع مجتمعي وجغرافي يستلزمه جهداً خارقاً كي يتحرر من أغلال عبوديته وهيمنته وهمجيته المتوحشة القاتلة لفكرة الانتماء للوطن الواحد وللدولة الواحدة وللمجتمع الواحد المتسامح والمتعايش والمتساوي فيه الجميع دونما تمييز أو فروقات مضطهدة أو منتقصة أو سالبة لحق الإنسان في الحياة والحرية والكرامة.
ما من حديث أو حوار متلفز؛ إلا ويكون منصباً في حراك الجنوب ! الحراك هنا يتجلى كبعبع خطر ينبغي احتوائه وتجريده بالترغيب أو الترهيب، شخصيا أجهدت نفسي في قراءة التحليلات الصحافية أو في متابعة القنوات الثورية جداً، حاولت مرارا لأن أسمع أو قرأ إجابة شافية ألتمس بها العذر لهؤلاء الخائفين الوجلين من انسلاخ الجنوب، ومع إطنابهم الكبير في المشهد الجنوبي وفصائله وقياداته وتظاهراته وحتى مطالبه المفزعة؛ مازال المشهد شمالاً كأنه شيئاً منسياً لا يستحق تسليط الضوء عليه بكونه سبباً مباشراً ورئيساً لكل ما يحرز سلبا أو إيجاباً في الجنوب.
لست مؤيدا لفكرة استعادة الدولة وفك الارتباط، كما أنني لست متحمساً أو متفائلاً بالحوار الوطني القادم، خاصة إذا ما سادت الوضعية الراهنة على ما هي عليه من رتابة وجزع وعنت وحيرة وارتباك وتربص، لا أعتقد أن المسألة هنا يمكن ابتسارها بموافقة أو رفض لفكرة التحاور والنقاش.
فمن وجهة نظري الشخصية انه وكي ينجح الحوار؛ لابد من توافر عامل الثقة، هذه الثقة للأسف مفقودة الآن، لا أخشى أكثر من الارتياب والغموض والفوضى، وجميعها حاضرة بقوة ويمكنها نسف أي جهد وطني من شأنه حل مشكلة الدولة اليمنية.
فليكن الأولى تهيئة مناخات معكرة مهددة وكارثية، فالشمال بهيئته العبثية والفوضوية لا يبدو بثمة جاهزية واستعداد لتقبله الأفكار الطموحة المنشودة في مضامين التحاور المقبل،لدينا نظام قبلي عسكري عائلي فاسد مازال فاعلاً ومقوضاً لعملية الانتقال وبكل ما تعني من إصلاح وتغيير وهيكلة وتحديث وتسوية.
لا أعلم لماذا القلق يأتي من الجنوب؛ فيما الفزع الحقيقي كامن فيما يجري شمالاً؟ لماذا الخوف من مطالبة الجنوب بالتجزئة أو الفدرلة؛ بينما الجزع يفترض أن يكون من واقع الشمال الذي لا نعلم أين موضعه وتوجهه وفعله حيال الدولة ودستورها وجيشها ونظامها ووحدتها وثروتها وحاضرها ومستقبلها ؟؟
محمد علي محسن
حراك الشمال وماهية سقفه!! 2528