في دورة من دوراتي الأسرية أطرح دراسة حالة ظريفة عن العلاقة بين الزوجين, وما هو السلوك الأفضل لدوام العلاقة ونجاحها؟.. الحالة لفتاتين الأولى أسميتها" يهمني" والثانية "ما يهمنيش".. الأولى سلوكها قائم على البذل والعطاء لشريكها دون حدود, وتتسم بصفة الإيثار, وتعتقد بأن سعادة زوجها هي مسؤوليتها, وهي تظهر الاهتمام الدائم بالزوج بغض النظر عن وضعها النفسي والجسدي.. أما الثانية فهي على النقيض من ذلك, وتعتقد بأن سعادتها هي مسؤولية الزوج الأولى..
وفي الأخير يكون سؤالي لجمهوري: من منهما ستكتسب علاقتها الزوجية صفتي الاستمرارية والنجاح ؟.. قال بعضهم: الأولى ستنجح, لأنها تهتم بزوجها كثيراً وتبذل كل الجهد لإسعاده وتقدم التنازلات في سبيل احتوائه وتؤثره على نفسها.. ومن ثم سوف تسعده فتسعد بسعادته, وتحتفظ به للأبد..
وقال الآخرون: الثانية هي التي ستنجح وتستمر, لأنها تهتم بنفسها وتجتهد في الحصول على سعادتها, فتصبح سعيدة وقادرة على بث السعادة في العلاقة.. وهي لا تستنزف طاقاتها ولذا سوف تستمر وتنجح في المحافظة على علاقة زوجية ناجحة وأبدية..
وقلما وفق الجمهور للوصول للإجابة الصحيحة, وهي بأن الفتاتين متطرفتان في سلوكهما..ولكن المفارقة المدهشة في الأمر أن الذين توقعوا نجاح "ما يهمنيش " كانوا هم الذكور في جمهور الدورة, وأما الإناث فقد قررن بأن "يهمني" هي التي ستنجح وتفوز بقلب زوجها للأبد!!.
يؤكد علماء النفس بأن من أبرز الخصائص النفسية للمرأة حبها للبذل والعطاء لشريكها, وهي تتعمد إظهار الاهتمام الدائم بالزوج, فهي خلقت لتهتم وترعى وتمرّض وهذا منبعه غريزة الأمومة فيها.. كما يؤكدون بأنها تتولى من نفسها المسؤولية عن نجاح العلاقة عن طيب خاطر!! وهي تسقط كل خطأ يحدث في العلاقة على نفسها وتجلد ذاتها باستمرار, ولأنها العنصر الأضعف في منظومة المجتمعات الإنسانية وتحتاج دوماً لحماية الرجل, فذلك خلق لديها ضعف تقدير لذاتها "فالأنا لديها منخفضة".. نراها تلوم نفسها باستمرار وتعتقد بأنها سبب شقاء زوجها إذا أظهر حزناً أو اكتئاباً أو انصرافاً عنها لأسباب مجهولة وتبدأ تتساءل : ماذا فعلت به؟! وهي تبقى في حالة عطاء وبذل طويلة الأمد للرجل وتقدم التنازلات تلو التنازلات لتفوز بقلبه وتحوز رضاه.. والمرأة لا تمانع في تغيير شكلها, قوامها, لون شعرها, طوله, طريقة لبسها, وحتى جلوسها وذوقها العام في سبيل إرضاء محبوبها.. وهكذا تبقى تهرول نحوه ربما لسنوات !!.. والرجل عندما يراها تفعل ذلك يظن بسبب تضخم " الأنا العليا" لديه بأنها فقط ترد له الجميل, لأنه أحبها واختارها من بين الكثيرات !!وكلما زادت عطاءها زاد هو تطلباً.. فتعطي هي المزيد وتبالغ في العطاء والتنازل ظناً منها بأنه سوف يشعر عما قريب بحجم تضحياتها ويرد لها الجميل..
ولكن هذا قلما يحدث!!, فالرجل واقع تحت خدعته النفسية, ويرى كلما تقدمه هو فقط ما يجب أن تؤديه لزوجها.. وفي لحظة واحدة فارقة تبدأ المرأة بمراجعة الوضع بعدما تشعر بإنهاك شديد من لهاثها في مضمار إرضائه.. تنظر لترى أنها هي فقط من يقدم التنازلات, هي فقط من يتغير ليرضي شريكه في الحياة, هي فقط من تهرول تجاهه وهو يسير للوراء مبتعداً, غير آبه بطلباتها ومتجاهلاً لجميع تضحياتها, بل ومازال يطلب المزيد!!.. وقتها تقرر إغلاق بنك الحب الذي فتحته له بحساب جار, ويستيقظ العقل فيها, فتقوم بمراجعة الحسابات وترى كم كانت غبية في عطائها اللامحدود !!..وذلك يحدث فقط عندما تستعيد تقديرها لذاتها..وتبدأ بالمقارنة بين ما أعطته له وما أعطاها هو, فتجد أنه لم يعط الكثير, إنه حتى لا يشكر لها صنيعها !!وربما أوحى لها مراراً بأنها مقصرة !!وقد يكون قام بمقارنتها مع هذه وتلك.. فيشتعل الغضب في كيانها ليحرق بقايا حبه في قلبها..وتكون النهاية المفاجئة للزوج الذي يصيبه الذهول فيصيح بها: ما الذي غيّرك فجأة؟!.. ويبدأ يشك بأن ثمة من وسوس لها وحرضها ضده..
وهنا أنبه الرجل قائلة له: لا تفرح بالتنازلات الكثيرة من محبوبتك, ولا يغرك عطائها اللامحدود, فهي تغدق بالعطاء, لأنها تنتظرك لتعادل النتيجة.. ويزداد بؤسها كلما ازددت تجاهلاً لها.. وقد تلاحظ أنها تمرض كثيراً !!ورغم ذلك سوف تصبر طويلاً, ربما لربع قرن سوف تصبر, ولكن النهاية ستكون مأساوية..
ولن أتوجه بتنبيه للمرأة, لأنها جبلت على العطاء اللا محدود.. وصعب عليها مقاومة فطرتها خاصة عندما تكون في حالة حب!.. إنها تتلذذ بالعطاء وبذل الحب والاهتمام وسوف تفني ذاتها في محبوبها, الذي إن لم يتفطن ويقدر تضحياتها ويبادلها العطاء والاهتمام فسوف يخسرها في لحظة واحدة, وللأبد!!.
نبيلة الوليدي
أيها الزوج: احذر التنازلات !! 1658