أن نبادر إلى مصالحة وطنية وفق عدالة انتقالية قائمة على توصيف دقيق لما حدث من جرائم وتحديد الجهات والأشخاص الذين ارتكبوها وإصدار أحكام قضائية بحقهم وبعدها يتم العفو عنهم من قبل أولياء أمور الضحايا وفق معالجات شاملة, منها تعويض الضحايا الذين لا زالوا على قيد الحياة وكذلك جبر الضرر وتعويض أسر الشهداء وتخليدهم بإطلاق أسمائهم على منشآت حيوية ومعالم بارزة وغيرها من الوسائل التي تبقيهم في ذاكرة المجتمع وتخلد ذكراهم وكذلك وضع الضوابط التي تمنع تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلاً وذلك بإعادة النظر بالتشريعات والقوانين وإصلاح الأجهزة التي ثبت أنها ارتكبت أو ساهمت في ارتكاب تلك الانتهاكات, بما فيها الأجهزة العسكرية والأمنية ووضع كافة الضوابط لضمان حرية الإنسان وكذلك منع الأشخاص الذين ثبت ارتكابهم لهذه الجرائم من ممارسة الأعمال السياسية والوظائف الحكومية بعد العفو عنهم, كون مثل هذا الإجراء احد الضمانات لعدم تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلاً مع التأكيد على قيم التسامح والصفح وحقوق الضحايا والمصالحة الفردية والجماعية التي تحقق المصالحة الوطنية ونبذ كل أشكال العنف والانتقام على أن يشمل هذا الأمر كل الأحداث والجرائم التي ارتكبت خلال فترة النظام السابق التي شملها قانون الحصانة سيئ الذكر ، وليس كما ورد في المشروع المقدم لمجلس النواب الذي حدد شمول مشروع القانون للفترة من يناير ٢٠١١ إلى أحداث ٢٠١٢ فقط..
كما عاب هذا القانون كثيراً من القصور وإغفال حقوق الضحايا وكان تركيزه فقط على تأمين مرتكبي الجرائم دون أن تصدر بحقهم أي أحكام قضائية, بالإضافة إلى ملاحظات جوهرية كثيرة منها أن ما تتوصل إليه هذه الهيئة من نتائج وما تقرره في قرارها النهائي ليس ذا طابع قضائي وكل ما ينتج عنها عبارة عن توصيات للحكومة غير ملزمة.
فاعتقد أن مثل هذا المشروع سيوسع الفجوة أكثر وسيحدث شقاقاً مجتمعيا وليس وفاقاً وسيحول المصالحة إلى مصارعة والعدالة إلى ظلم, وسيشعر الضحايا وأسرهم بالغبن وعدم الإنصاف الحقيقي ولن يحقق المصالحة الوطنية الذي ننشدها جميعاً القائمة على العدل وجبر الضرر الذي يقابله العفو والتسامح من قبل الضحايا وأسر الشهداء فاليمن ليست بدعاً من الدول وقد سبقتها عدة بلدان بإجراء مصالحات وطنية وطبقت مبدأ العدالة الانتقالية, فلماذا لا نستفيد من ذلك بدلاً من هذا المشروع المسخ الذي لا يعمل على إظهار الحقيقة و لا على جبر الضرر..
أؤكد على أهمية المصالحة الوطنية, فهي مصلحة وطنية وضرورة اجتماعية ولكن ينبغي أن تؤسس على قواعد متينهة لاتغمط الضحايا حقوقهم وتعمل ضوابط رادعة لمنع تكرار مثل ما حدث من مآسٍ وجرائم ،، مع ضرورة تعميق ثقافة التسامح والتصالح والعفو من أجل الوطن وسلامة المجتمع من الأحقاد والضغائن.
ولذلك نناشد كل القيادات الفاعلة في الوطن وعلى رأسهم الأخ رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق والأطراف الموقعة على المبادرة الخليجية وكل منظمات المجتمع المدني والقوى الفاعلة أن يعيدوا النظر في شكل ومضمون هذا المشروع الذي أحاله الأخ الرئيس إلى مجلس النواب ورفض بشكله الحالي من كتل اللقاء المشترك وكتلة تضامن الأحرار وكل الكتل الثورية الممثلة في الائتلاف البرلماني من أجل التغيير, نناشد الجميع العمل على تقديم مشروع يراعي كل الجوانب ويحمل في مضمونه المصالحة التي ينشدها كل أبناء الشعب وفق عدالة واضحة تحفظ الحقوق والاعتبارات وتضمن إنشاء مجتمع خال من الأحقاد والانتقام وعدم تكرار مثل هذه الجرائم والمآسي حتى لا تكون فتنه ويكون الوطن للجميع سواء بسواء, أما أن يُمنح المجرمون الآمان وتصفر جرائمهم ولا يعزلوا من ممارسة العمل السياسي والوظائف الحكومية, فهذا سيكون بمثابة تشريع لهم بارتكاب جرائم من جديد, فهذا هو الظلم بعينه ولا يقبله أي عاقل أو صاحب ضمير وباختصار شديد هذا المشروع الذي بين أيدينا في مجلس النواب بشكله الهزيل مرفوض جملة وتفصيلاً براءة للذمة والتاريخ.
محمد مقبل الحميري
عضو مجلس النواب
محمد مقبل الحميري
المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية بين الرفض والموافقة 2082