سجلت أحزاب اللقاء المشترك في السادس من فبراير 2003م تجربة غير مسبوقة في العمل السياسي على مستوى المنطقة العربية حينما قررت التكتل في كيان واحد متجاوزة خلافاتها الإيديولوجية وتبايناتها الفكرية ومصالحها الحزبية.. وهي خطوة حسبناها حينها مزحة من مزح السياسيين إن لم تكن اقرب إلى المشاغبات السياسية غير المدروسة, بل إن هناك من رأى في هذه الخطوة خروجاً عن المألوف.. إذ كيف لإرادات فيها الإسلامي والقومي واليساري والليبرالي, لكل منها تغريداته واتجاهاته وأيقوناته, أن تتحالف وأن تتأطر وتتعايش تحت سقف واحد وان تجتمع على كلمة سواء وهي المسكونة بسنوات من الصراعات المحتدمة, طالما تحول الاختلاف فيها إلى خلاف والتنوع إلى تمزق واللقاء إلى فرقة وخصام؟.
وفي ظل غياب أية معطيات تفيد بامتلاك هذه التجربة المثال الذي تستند له سواء على المستوى الوطني أو حتى العربي, فقد بقيت احتمالات نجاحها محدودة في تقديرات المتابعين الذين اعتقد الكثير منهم أن مثل هذه التجربة لن تكون أفضل حالاً من مثيلاتها والتي كان مصيرها الفشل ولذلك فإن مجرد حفاظ (المشترك) على تماسكه خلال العشر السنوات الماضية يعد انجازاً مهماً وميزة ايجابية جديرة بالدراسة والتأمل عكست صورة مغايرة تماماً للصورة النمطية الشائهة التي غرستها في الأذهان تجارب أخرى, ناهيك عن أن أحزاب اللقاء (المشترك) قد أظهرت بهذه الاستمرارية المجال الرحب والمرن الذي تتمتع به المنظومة السياسية اليمنية رغم تعقيدات الواقع الذي تعيش فيه وتتحرك في داخله.
وبناء على ما تقدم, فالثابت أن المشترك أصبح اليوم قوة مؤثرة لا يستهان بها على الساحة الوطنية بصرف النظر عن طبيعة المعارك التي خاضها ضد خصومه السياسيين وحدة الانقسامات التي أفرزتها تلك المعارك وكذا ما نجم عن أزمة 2011 من تغييرات في موازين القوى وما يعتمل الآن على السطح من التباسات وأحياناً اشتباكات في إطار الاختلاف السياسي وتقدير المصلحة العامة.. ومع ذلك فإن ما يلفت النظر هو ما يتردد اليوم على ألسنة البعض من أن هذه القوى السياسية التي أحاطت نفسها في السنوات الماضية بحاجز قوي وصلب عن طريق تكتلها في كيان واحد هي اليوم أمام مفترق طرق واقرب إلى التفكك وعودة كل طرف فيها إلى بيته الحزبي ويستدل أصحاب هذا الطرح بالخلافات التي ظهرت إلى العلن عقب توزيع نسب التمثيل في مؤتمر الحوار, فقد حظيت ثلاثة أحزاب وهي (الإصلاح والاشتراكي والناصري) على النسبة الأعلى من الحصة, فيما لم تحز الأربعة الأحزاب الأخرى في المشترك سوى على نسبة متدنية, الأمر الذي شعرت معه هذه الأحزاب بأنها قد خذلت من شركائها الكبار, بل إن هناك من ذهب إلى ابعد من ذلك بتأكيده على أن موجبات (التحالف) قد انتفت بعد أن أصبحت أحزاب اللقاء المشترك جزءاً من حكومة الوفاق الوطني وشريكاً أساسياً في السلطة. فضلاً عن أن المؤتمر الشعبي العام, الذي تحالفت تلك الأحزاب في مواجهته, لم يعد متفرداً بمفاصل الحكم وشؤون الدولة وبالتالي فلم تعد أحزاب (المشترك) بحاجة لمثل ذلك التحالف.
ولاشك أن مثل هذه النقاشات تعيدنا إلى التساؤل عن الأسس التي قام عليها هذا التكتل السياسي وهل كان تحالفاً مرحلياً استدعته بعض الظروف والضرورات أم استراتيجياً بني على قواعد راسخة.. وهو الأمر الذي يبدو مختلفاً عن تقديرات البعض الذين يجزمون بأن كل حزب في هذا الكيان بات يبحث عن مصالحه بعيداً عن (التربيطات القديمة ) واقتسام المغانم والمكاسب ومع أني لا أتمنى انفراط عقد هذا التحالف بمثل هذه الصورة العبثية والسلبية التي يرسم سيناريوهاتها البعض أجد من موقف المحايد أن من مصلحة أحزاب اللقاء (المشترك) وبعد مرور عشر سنوات من تحالفها أن تعمل على تقييم هذه التجربة والوقوف على إيجابياتها وسلبياتها حتى يتسنى لها الاستناد إلى موقف عملي صحيح قبل أي قرار تتخذه بشأن الحفاظ على تحالفها من عدمه, فالحقيقة أن من في داخل (المشترك) وان من في خارجه أيضاً بحاجة إلى تكوين رؤية واضحة حول هذه التجربة وأين نجحت وأين أخفقت وكيف استطاع هذا التحالف أن يتعايش رغم خلافاته وتبايناته الكثيرة؟..
حيث وأن من المفيد استخلاص ما سيفضي إليه أي تقييم واقعي من نتائج لهذه التجربة اليمنية الخالصة التي يحسب لها أنها قد أنتجت منهاجاً لتقريب الآراء المتباعدة وتحقيق التوافق بين الأحزاب السياسية المختلفة وهو المنهاج الذي ينبغي أن يستفاد منه على نطاق أوسع واشمل وبما يجعل من التنوع السياسي والحزبي وتعدد الرؤى والاجتهادات على الساحة اليمنية منطلقاً للتكامل وليس وسيلة للتنافر والتباعد والخصام.
وهذا لا يعني ولا يجب أن يعني أن تجربة (المشترك) مثالية بالكامل, لكنها بالتأكيد أفضل من قدم آلية للتعايش بين أضداد الأيدلوجيات وأفضل من قدم اعترافاً صريحاً بأن القوة الإجمالية هي اقدر على صناعة الأفعال من قوة كل منا على حدة.. ولو آمنا بهذا المبدأ فلن نجد أمامنا ما يحول دون الإصغاء لبعضنا البعض والتفاهم حول قضايانا والاتفاق على المخارج والمعالجات لمشكلاتنا وأزماتنا بروح وطنية تسمو على كل الخلافات والصغائر والمصالح الذاتية والأنانية.. ولتجنب كل منا الوقوع في فخ الاعتقاد بأنه وحده من يمتلك الحقيقة وهو فقط المصيب وغيره المخطئ وفاقد البصيرة.
ليس عيباً أن نستفيد من أية تجربة ايجابية تساعدنا على بناء كياننا الديمقراطي المتناغم ولكن العيب أن نقبل بان تتشكل قطع هذا البناء من أحجار لا علاقة لها بيئتنا وثقافتنا وهويتنا الوطنية, لأننا بمثل هذا البناء الغريب لن ننجح ولن نصل إلى الهدف المنشود.
علي ناجي الرعوي
المشترك.. أين نجح وأين اخفق؟ 1813