أن ينعقد مجلس الأمن في صنعاء أمر ليس بالهين ولا ينبغي التهوين من شأنه أو تجاهله, فهو حدث في حد ذاته. ناهيك عن دلالاته القوية التي تؤكد وقوف المجتمع الدولي مع وحدة الوطن وأمنه واستقراره وتطلعاته إلى الأمام، وسواء فهم هذه الرسالة النظام السابق والحراك والحوثية والقاعدة،أو لم يفهموه, ففي النهاية هو اصطفاف عالمي مع اليمن من أجل نهوضه وتطلعه إلى المستقبل.ولا يعني هذا أنه كرم إنساني من هذا المجلس وحرص على الحب يسود والخير يعم، قدر ما هو تعبير عن معنى اليمن كموقع جغرافي استراتيجي يؤثر في السلم والاستقرار العالمي لما يحتله من أهمية بالغة كملتقى بين الشرق والغرب وكبوابة جنوبية للجزيرة والخليج وما تكتنزه من ثروة بترولية تشكل أكبر احتياطي عالمي.وإذا مجلس الأمن يحفل بمصالح دولية، بتجارة عالمية، بتأمين خط الملاحة البحري،وهو ينشد السلم في اليمن من منظور (برجماتي) صرف وكفلسفة غربية يسير عليها الأورو أمريكي وإن صبغها بقيمة أخلاقية ليبدو مهتماً بالجانب الإنساني.
من هنا ينبغي أن تدرك القوى التي تراهن على الفوضى وتمتد برهاناتها إلى قوى إقليمية،أن اليمن أبدا لن تكون لقمة سائغة لمن يريدها ساحة صراع ومنطلق لأجندته التي تستهدف الجزيرة والخليج قبل اليمن، وأنها فعلا عصية على التدخلات السافرة التي تبحث عن تداعيات تكون منطلقا للهيمنة والنفوذ.وإذا على القوى التي تمتد إلى الخارج وتلعب وفق تصور الآخر، أن تعيد حساباتها جيدا.
فاليمن اليوم بلد يحظى برعاية واهتمام دولي ,علاوة أن دول الخليج في ذات المسار وإن أصابها بين حين وآخر فتور في الوقوف إلى جانب اليمن.فذلك يبقى في حيز ضيق باعتبار أن الموقف النهائي في المحصلة هو مع الوحدة الوطنية مع الأمن والاستقرار مع التنمية والاستثمار. هكذا نحن نفهم انعقاد مجلس الأمن في اليمن، ونرى إليه أنه يشكل حضوراً يستحق أن نعيره الإهتمام الكبير،مهما ذهب المشككون في خيالهم المريض، أن ذلك نوع من التدخل السافر في الشأن اليمني،وأنه امتداد لهيمنة الغرب وعمالة لأمريكا إلى آخر الكلام الذي لا يجب الاكتراث له،ولا يعني اليمن في شيء. باعتبار أن العالم اليوم في ظل العولمة بات قرية واحدة وربما أصغر من قرية،والمتخلفون أو من هم على ارتهان مع طموحات إقليمية وحدهم لا يفقهون البعد العميق لهذا الحضور الأممي الذي يتجاوز الرغبات والأهواء الذاتية ويقدم الرسالة الواضحة للقوى في الداخل والخارج التي تريد العبث بأمن واستقرار اليمن،بأن ما يسعون إليه وما هو في برنامج عملهم، إنما هو أضغاث أحلام فعلا لا مكان لها مطلقا من التحقق،وأنه حتى النظام السابق بكل أركانه وتحالفاته الجديدة والقديمة وبحثه الدءوب لإفشال مكونات الحوار الوطني ومقتضيات التحول، سيبقى في ما يسعى إليه من تفتيت وتمزيق اللحمة الوطنية مسئولاً عما يقترفه في هذا الجانب،ويخضع للعقوبات الدولية في حالة تلاعبه ببنود المبادرة الخليجية، ولعل هذا الاجتماع هو الرسالة الأخيرة والأكثر قوة لنظام رحل، وحراك فك الارتباط، والحوثية، وارتهانهم لطهران،أن على الجميع وبكل إيقاعاتهم المتسارعة وكذا القوى السياسية الأخرى وحتى التي مع التغيير جميعهم ضمن الرقابة الأممية وعليهم أن يكونوا في مستوى الإدراك لما يجب عمله، ما لم فإنهم سيخسرون كثيرا إن هم انساقوا إلى ما يعكر ويقلق صفو المجتمع الدولي والمصالح الأوروأمريكية.
هكذا نرى إلى اجتماع مجلس الأمن في الوطن اليمني، باعث أمل جديد، وانحياز لوحدة الوطن وسلامة أراضيه وأمنه واستقراره،كما هو دعوة للقيادة السياسية متمثلة في الأخ الرئيس (عبد ربه منصور هادي) لأن يمضي في اتخاذ القرارات التي تعبر عن تحولات مهمة في السياسة اليمنية، وفي عملية البناء والتقدم.وفي كل الأحوال ليس أمام القوى التي تراوغ غير الوعي بالمرحلة ومقتضياتها، وأن تنخرط في الحوار الوطني دون تردد وأن لا تبقى مدانة ليس من اليمن،ولكن من المجتمع الدولي قاطبة، الأقدر على فرض العقوبات والمساس المباشر بمصالح ذات القوى ومحاصرتها من أن لا تكون شيئا يذكر.هكذا نحن على ثقة من تحرك المجتمع الدولي وانحيازه للتغيير في اليمن ولمستقبلها.ويبقى الأمر رهن القوى الوطنية التي لابد هي الأخرى أن تخرج من سباتها وعقم نظرتها وتسطيحها لنصر الثورة وتقاعسها عن مهام ضرورية بحجة التوافق وما بعد التوافق،على القوى النضالية الثورية أن تنجز طموحات ضرورية برؤية عميقة لما ينبغي أن تكون، وأن تتخلص من محبطات التغيير التي جزء منها كبير هي من صنعها واشتغلت عليها وكادت أن تقضي على النصر الذي كان حليفها بفعل تخاذلها من العمل المعبر عن إرادة الجماهير وخروجها عن الطابع الثوري للساحات الوطنية،وبقاءها في مستوى النظرة الهزيلة والبليدة التي أنتجتها حكومة الوفاق في التوقف عن الفعل الثوري النضالي بذريعة التوافق مع نظام لا يكل من الزحف إلى ما يريد ,مستغلا بذلك كل ما هو سلبي للحكومة ويدفع به لأن يكون الحضور البديل عن الفشل وكبديل للعجز الأمني والعجز من كبح جماح الفساد ومن القدرة على التغيير بالقوى الحية والفاعلة والتي هي الأقدر في الحفاظ على مكاسب الثورة وانتصاراتها التي هي اليوم على مرمى فشل يضر ذات القوى التي جاءت من التغيير ولم تفهم الحاجة له وإلى أهميته بعيدا عن المجاملات والبحث عن مكاسب حزب أو أشخاص.إن كل ذلك- اليوم- هو تحت مجهر البيت الأممي الذي يرقب الفعل ويقيسه ويتفاعل معه ويفهم إلى أين يؤدي؟. وإذا ليس النظام الذي غادر ولا حكومة الوفاق، في منأى عن العقوبات التي قد يقع فيها من يهادن الغلط ويريد محق النصر ويشتغل على الذاتي ويتناسى وطن يهم الغرب والشرق على السواء وليسوا مستعدين أبدا لإدارة الظهر بما يهدد الأمن والاستقرار الدولي، وهو ما لابد من أن تفهمه كل مكونات العمل السياسي في اليمن،وأن تنطلق من خيارات حقيقية وليس من مداراة ونفاق ثورة وفعل أزمات، ربما يشترك فيها كل القوى والنظام السابق.
فهل يدرك أرباب السياسة المغزى المهم من اجتماع مجلس الأمن في اليمن؟,هل يستوعبون ماذا يريد البيت الأممي وتحديدا المجتمع الأورو أمريكي؟, أم أنهم سيبقون في حالة التفاخر بهذه المناسبة ويتخلون عن العمل الذي يريده مجلس الأمن كدلالة على فعل التغيير المحقق البعد الإستراتيجي الدولي؟؟
محمد اللوزي
هل يدرك أرباب السياسية المغزى من اجتماع مجلس الامن باليمن؟ 1739