"إذا اتفقوا أكلونا، وإذا اختلفوا قتلونا" مقولة شهيرة تخص السياسيين العرب وهي إذا اختلفت النخبة قتلت الشعوب وإذا اتفقوا أكلوا الشعوب.. قد يتفق مع هذه القاعدة البعض وقد يختلف البعض الآخر ولكن الوقع المعاش للموطن العربي في كل بلد هو من يثبت أو ينفي ذلك والمتابع للساسة العرب يدرك تماماً أنهم لا يفرقون بين الخلاف والاختلاف، ليس غباءً ولكن نتيجة إصابتهم بمرض فقدان المناعة الوطنية الذي تسبب فيه فيروس المصلحة الذاتية , بينما سياسيو العالم إذا اختلفوا اتفقوا وإذا اتفقوا بنوا الأوطان وشيدوا أرقى الحضارة الحديثة..كل يوم يلتئم شملهم بينما نحن نسعى جاهدين في تقسيم المقسم أصلاً.
الاختلافات السياسية التي تمر بها البلاد والتي نراها تشتد كل يوم بين النخب السياسية ليس لها علاقة بالوطن ولا بالمواطن لا من قريب ولا من بعيد، فالوطن والمواطن في مثل هكذا وقت وتحت هكذا ظرف يكونون في أمس الحاجة إلى التوافق والاتفاق وفي الأخص في هكذا مرحلة.. عادة ما يكون الخلاف حالة صحية في حالة أن يكون من أجل الوطن والمواطن وفي مثل هكذا خلاف سرعان ما يتفق الجميع وسرعان ما تتلاش الاختلافات وتتوحد الجهود ويلتئم الشمل على أقرب طاولة حوار وعندما يكون الخلاف علي مصلحة الشعب يكون الشعب هو محور ارتكاز للجميع، فقد تختلف وجهات النظر لكن هناك محور ارتكاز الكل يعمل حوله وهذا النوع من الخلاف تجسده الديمقراطية الغربية.. أما الديمقراطية العمياء في بلادنا العربية التي يمارسها نخبة ما يسمى بالعمل السياسي فهي مرتكز للخلاف وانطلاقة نحو الفوضى الديمقراطية، في مفهومهم هي القناع الذي يلبسه البعض من أجل الوصول إلى أهوائه وأطماعه والتي يحصنون فيها توجهاتهم الخاطئة..
حقاً هناك عبث حقيقي في بلادي باسم الديمقراطية، هناك عبث إعلامي حقيقي باسم حرية الكلمة، هناك انتهاك لحقوق الإنسان ممن يدعون الإنسانية..إن الخلاف الذي شق الصفوف من الداخل هو بسبب أهواء سياسية وتعصب أعمى، والأهواء كما هو معروف، ليس له قواعد ولا تحكمه ضوابط والتعصب الأعمى يسلك بصاحبه كل الطرق بغية الوصول.. لذلك سوف ترى أصحاب الأهواء والتعصب الأعمى يتخبطون من اليمين إلى اليسار، من الأعلى إلى الأسفل، سوف ترى دعاة المدنية يصرخون كما تصرخ العناصر المتمردة في جبال صعدة، نراهم يدعون إلى الطائفية بأقنعة المدنية وقد خرج البعض من خيمة المظلومين في الستين واتجه إلى خيمة الظالمين في السبعين ومثل هذه التصرفات ليست غريبة في ظل غياب هدف سام وكبير يسمو ويكبر صاحبه بحجم الوطن، فقد سقط البعض في الطريق قبل أن يكتمل إسقاط النظام.
إن عدم الالتزام بالمبادئ والأخلاقيات والأسس الديمقراطية هي أحد الأسباب الرئاسية في فشل الديمقراطية العربية وهي كذلك أحد العوامل الرئيسة في صناعة الدكتاتورية التي تهدد بعض دول الربيع العربي وكذلك انقسام الشرق الأوسط إلى دول جمهورية وملكية كان له دور كبير في عرقلة المسار الديمقراطي بعد أن صبت دول الملكية النفطية أمولها في طريق هذا المسار الذي يهدد نجاحه الاستقرار، فهناك سياسة ملكية نفطية في الوقوف أمام أي استحقاقات ديمقراطية تؤدي إلى نجاح الدول الجمهورية في كل النواحي السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، ينفذ هذه المهمة الأحزاب العربية التي تفشل في قيادة الجماهير، فتلجأ باسم الديمقراطية إلى وسائل غير ديمقراطية للوصول إلي مبتغاها وغالباً ما يكون المبتغى في مثل هذه الطريقة خارج إطار المصلحة العامة.. ونتيجة لهذا يرى البعض أن البلاد العربية بحاجة إلى دكتاتورية بشرط أن تكون تنموية وغير فاسدة, وفي المقابل تتكفل الحكومات بابتعاث نخبة العمل السياسي إلى تعلم الأسس والمبادئ والأبجديات الديمقراطية في أي دولة ديمقراطية، شرط أن تكون خارج حدود الوطن العربي وهذا ليس عيباً، العيب أن نراهم يمزقون الأوطان ويعبثون بالديمقراطية اسماً ومسمى.. ومن عجائب الأحزاب في الوطن العربي أنها إذا فشلت في الوصول إلى السلطة سرعان ما تتحول إلى لعب دور المشاغب والمعرقل دون الرجوع إلى معالجات أسباب الفشل، فهي تؤمن بالديمقراطية التي توصلها إلى السلطة، فما دونها ليست من الديمقراطية في شيء... ودعوني أسوق لكم مثلاً حياً ليس ببعيد عنا لا زماناً ولا مكاناً، فقد أظهرت لنا الانتخابات الأخيرة في مصر عجائب ديمقراطية، فعندما كانت النتائج في صالح الإسلاميين آمن السلفيون بالديمقراطية وعندما لم تكن النتائج في صالح اللبراليين كفروا بالديمقراطية.
الحوار والتوافق والتصالح والتسامح قيم عظيمة إذا انطلقت من تحت تأثير الضمير الحي وكانت من أجل تحقيق المصلحة العامة للجميع.. أما إذا تحولت هذه الصفات العظمى إلى مجرد أدوات سياسية يريد الكل توجيهها لتحقيق أهدافه أو استحقاق تفرضه الإرادة الدولية بشقيها علينا فتصبح فقط مجرد أدوات للاعب السياسي والتمرد الأخلاقي.. ومع صعوبة وقسوة المرحلة وخطورة الظرف هناك طامعون، كل منهم يريد أن يجر عربة حصان الحوار باتجاه وصوب هدفه الأصغر.. هل لكم أن تتصوري معي حواراً يقاد إليه المتحاورون بقرارات وضغط دولي واستدراج سياسي؟ كيف لضمير على من لم يقد صاحبه إلى طاولة للحوار أن يقود صاحبه إلى الالتزام بمخرجات الحوار؟، هل نحن أيضاً بحاجة لقرارات مجلس الأمن لتنفيذ ما سينتج عن الحوار؟ هل سنضطر إلى نقل الرئاسة إلى أحد مكاتب مجلس الأمن الدولي تدار فيه أمور اليمن أم سيفتح مجلس الأمن الدولي مكتباً خاصاً له في اليمن؟..
تعودنا القول بأن الثورة اليمنية تعرضت للظلم والقمع من قبل صالح وقواته , مع أن القمع كان يزيد الثورة شرعية وقوة وكان ظهور عبده الجندي وياسر اليماني وأحمد الصوفي والبركاني لا يضر الثورة، فقد كانوا يكشفون للعميان قبح جوهر نظام صالح، فقد كان لهم دور كبير في تسريع عجلة الثورة.. الظلم الحقيقي للثورة اليمنية هو من داخلها من قبل بعض القوى السياسية, والطائفية، فما عجزت عنه القوى السياسية في الميدان السياسي حاولت جر الثورة لتحقيقه، وما عجز أن يحققه الحوثيون خلال ستة حروب كانوا يريدون جر الثورة إلى تحقيقه، وما عجز عنه الحراك الجنوبي خلال ست سنين اليوم يريدون أن يجروا ثورة الشباب إلى تحقيقه.. مع أن الثورة تبنت مطلب وطن وقضية شعب وأظهرت حقيقة الحكمة اليمنية.
من أولئك وهؤلاء ظلمت الثورة، بين أولئك وهؤلاء ضاع دم الشباب هدراً أو من أجل أولئك وهؤلاء جاءت المبادرة لتحل مشاكل القوى المتصارعة على جر الثورة.. حيث كانت المبادرة هي التي وأدت مولود الثورة التي تسابقا المصابون في العقم لـ "33"عاماً في احتضانه وادعاء إنجابه، مولود الثورة كان من رحم المعاناة والحرمان، من بين ركام الفساد ومن تحت سوط الظلم خرج نور الثورة.. لذلك سيسجل التاريخ، كما سجل عن ثورة 26سبتمر أنها ظلمت من قبل الشعب، سيسجل أن ثورة 11فبرير ظلمت من قبل النخب السياسية ولن يستثنى ظالماً للثورة.. ومع هذا الظلم تظل العدالة الثورة هي المصل الواقي من فيروسات النخبة، تظل جينات الثورة هي من نسل الظلم والحرمان وليست من نسل نخبة الحصانة وستمضي ثورة الشباب السلمية تحقق أهدفها هدفاً هـدفاً حتى استكمال بناء اليمن الجديد.
محمد الجماعي
خواطر مواطن وعصابات الساسة 2053