منذ أن بدأ الحديث عن مؤتمر الحوار الوطني وتشكيل لجنة الإعداد والتحضير لهذا المؤتمر وبدأت الأطراف الإقليمية والدولية تدفع باتجاه جلوس كافة المكونات السياسية والحزبية والمدنية والشبابية اليمنية على مائدة الحوار, فقد كان من الطبيعي أن تثار الكثير من التساؤلات حول قضايا الحوار وسقف وسلم أولويات الحوار وأين سينتهي هذا الحوار؟ وما هي النتائج المتوخاة منه؟ وضمانات نجاحه وخروجه بالنتائج المامؤلة؟ وهي تساؤلات تعبر عن الحيرة التي تطبع المشهد السياسي الحالي المحكوم بحالة من الإرباك والارتباك متزامنة مع مستويات عالية من المخاوف لدى المواطن الذي بدا غائباً أو مغيباً عن تفاصيل الحوار المرتقب..
فهذا المواطن يسمع عن مؤتمر للحوار يجري التحضير والإعداد له على قدم وساق ولكنه لا يشعر أنه صاحب المصلحة الحقيقية من هذا المؤتمر وأنه المعني برسم توجهاته وتحديد اتجاهاته وحماية مساراته من أية محاولة تسعى إلى تعطيله أوانه أيضاً من يعول عليه التصدي لنوايا بعض القوى التي تراهن على إفشال الحوار إما بتخريبه من داخله أو بالتآمر عليه من خارجه, رغم إدراك ذلك المواطن انه في النهاية من سيدفع ثمن أخطاء السياسيين ويتحمل تبعات إخفاقاتهم في التحليل والتقدير..
وكما أصبح المواطن عرضة للكثير من الشائعات والتسريبات والأراجيف التي تتناقلها وسائل الاتصال والتواصل عن مؤتمر الحوار فإن كوادر وقواعد الأحزاب والتنظيمات السياسية الممثلة منها في لجنة الإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار أو غير الممثلة ليست بأفضل حالاً من أي مواطن يجهل ما يدور في الكواليس بعد أن نأت بها قيادتها الحزبية عن أي إسهام أو دور أو مشاركة في مشهد دراماتيكي فريد لفت أنظار الكثير من المراقبين الذين كانوا ينتظرون من هذه الأحزاب أن تبادر إلى عقد مؤتمرات تشاورية داخلية يستنبط منها كل حزب رؤيته لقضايا الحوار بصورة ديمقراطية ولكن يبدو أن قيادات هذه الأحزاب صارت مقتنعة بأنها تمتلك تفويضاً مطلقاً للتعبير عن كل من ينتسبون إلى أحزابها وأنها بحكم هذا التفويض مخولة بالتفكير نيابة عنهم .. ومثل هذه (البابويه) لا تختلف في جوهرها وفحواها عن (البابوية) التي طالما استخدمتها الأنظمة الشمولية كعصا للحاكم المطلق في فرض إرادته على أبناء شعبه حتى يدينون له بالولاء التام بدلاً عن الولاء للوطن الذي ينتمون إليه ويحملون هويته.
وفي استعراض النتائج أعتقد أن بوسع الإعلام الوطني بمختلف وسائله واتجاهاته أن يلعب دوراً مؤثراً في التهيئة لحوار جاد وشامل ينتشل المجتمع من حالة التأزم التي باتت تلقي بظلالها الكئيبة على البلاد والعباد أمنياً واقتصادياً ونفسياً واجتماعياً .. كما أن بإمكان الإعلام أن يقرب وجهات النظر المتباعدة وأن يجعل من مؤتمر الحوار يتصدر أولويات كل اليمنيين, بل إنه القادر على حشد كل الطاقات المجتمعية في مؤازرة هذا الحوار وتحويله إلى قضية وطنية يحرص الجميع على نجاحها وبلوغها النهاية المنشودة..
ليس من الضروري أن يكون صحيحاً ما نسمعه بأن الفاعلين الأساسين لازالوا غير جاهزين لمؤتمر الحوار .. لكن من الضروري التحسب للمخاطر والعمل الجدي من أجل مواجهة هذه المخاطر انطلاقاً من إقناع وسائل الإعلام أولاً بممارسة دورها الوطني في نشر الوعي وترقية مفردات الحوار والارتفاع بمستوى الخطاب السياسي والثقافي وتحفيزها على إجراء مناقشات صريحة وشفافة مع المختلفين في الرأي حتى يتسنى إنهاء القطيعة البينية التي أفرزتها الأزمة السياسية الأخيرة بين بعض المكونات السياسية والمجتمعية.
وعليه فإذا كان الإعلام مطالباً بأن تكون له بصماته الواضحة على صعيد تغيير المزاج العام وانتشاله من مهاوي الإحباط واليأس, فإن الواجب أيضاً على كل من سيشاركون في الحوار الخروج ومنذ الغد إلى الناس لإزالة الصورة السلبية العالقة في أذهانهم عن التجارب الحوارية التي عرفتها اليمن في الماضي والتي كانت عادة ما تصطدم بعوائق أو عقبات سياسية تؤدي بها إلى الفشل حتى يطمئن الجميع من أن قضايا الحوار.. هذه المرة ليست كسابقاتها, فهي مؤطرة بمجموعة من العناوين حددتها المبادرة الخليجية بهدف العبور باليمن إلى عصر الدولة المدنية الحديثة وأنه ليس من بين موضوعات الحوار أية مشاريع تفكيكية, بل إنها التي ستتركز على ما يحقق الإصلاح الدستوري ومعالجة هيكل الدولة والنظامين السياسي والانتخابي وإيجاد حل وطني عادل للقضية الجنوبية وبما يحفظ وحدة اليمن واستقراره, كما أنها التي ستتطرق إلى أسباب التوتر في صعدة وكذا المصالحة والعدالة الانتقالية وأولويات برامج البناء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
إن أخطر ما افتقدته اليمن منذ ما يقارب نصف قرن من الزمن هو التأسيس المعرفي لقضايانا وهو ما يستدعي منا الارتفاع إلى مستوى اللحظة التاريخية الراهنة والوعي المعرفي بالنفس والآخر واستخلاص دروس الماضي والاستفادة من عبرها وعظاتها في مواجهة مشكلات الحاضر وذلك يتأتى إلا من خلال تصالح تاريخي يضع حداً فاصلاً لدوامة الصراعات المزمنة والمستمرة وينتقل بهذا البلد إلى واقع جديد يشع بقيم التسامح والسلام والعدل والمساواة والشراكة والاستقرار السياسي والاجتماعي.
علي ناجي الرعوي
هل نحن جاهزون للحوار؟! 2981