لا أعتقد أن فحوى (التغيير) الذي يسعى الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى تحقيقه خلال المرحلة الانتقالية يتموضع فقط عند حدود الانتقال بالنظام السياسي من مفهوم (المغالبة) وهيمنة الحزب الواحد على مفاصل السلطة إلى مفهوم (الشراكة) الذي يحقق التوازن بين الأكثرية والأقلية بعيداً عن تفرد قوة بعينها في إدارة دفة الشأن العام وإقصشاء بقية القوى من سيرورة المشاركة في الحكم وصناعة القرار.
إذا أنه وبالوقوف على مجريات الواقع يتضح تماماً أن الرجل يتحرك وفق رؤية واسعة وقناعة راسخة من أنه وما لم يتواكب الإصلاح السياسي مع (خارطة الطريق) تتضمن المعالجات لكافة الأمراض والأسقام التي تعاني منها الدولة اليمنية, فأن أية إصلاحات سياسية مهما كانت نجاعتها ومستوياتها واعتباراتها الإستراتيجية والفلسفية ستبقى هشة وعرضة للانحراف عن مساقاتها واتجاهاتها الحقيقية ومن هذه القناعة فقد حرص الرئيس هادي على أن لا تبتعد به انشغالاته في متابعة التحضيرات الجارية لمؤتمر الحوار الذي سينطلق في مارس القادم عن مهام أخرى ضرورية تتعلق بتحصين الإصلاحات السياسية التي يتعين التوافق حول مصفوفاتها في مؤتمر الحوار الوطني وهو ما جسده اهتمام الرئيس بمسألة إعادة هيكلة القوات المسلحة والمؤسسة الأمنية الموازية وتعاطيه مع هذه القضية المحورية كمعيار لنجاح أو فشل العملية الانتقالية التي يعول عليها أن تفضي إلى قيام الدولة المدنية الحديثة والعبور باليمن إلى المستقبل المنشود.
ولذلك فإن من السذاجة النظر إلى حديث الرئيس هادي عن إعادة هيكلة وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية والذي تكرر الأسبوع الفائت من كونه حديثاً عفوياً يراد به تحريك المياه الراكدة أو تسليط الضوء على إعراض المشكلات الكامنة في المؤسسة الأمنية والتي وان بدت بعض جوانبها معروفة ومعلومة للكثيرين فإن بعضها الآخر هو من التعقيد بما لا يمكن أن يتخيله أشد المتشائمين .. بل أن من تابع تفاصيل حديث رئيس الجمهورية سيجد أن ما أراد به هو التذكير بجانب مهم مما تقوم عليه مضامين الحكم الرشيد ومبادئ النظام الديمقراطي المستند في قيمه وبنيانه وآلياته على حق كل مواطن في ممارسة حقوقه السياسية والمدنية والاجتماعية في أجواء أآمنة ومستقرة وكأنه بذلك الطرح قد أراد أن يؤكد للجميع من أن إصلاح المؤسسة الأمنية يمثل شرطاً جوهرياً لنجاح الإصلاح السياسي والديمقراطي وتوفير البيئة الصالحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وهو ما أدركته الكثير من الدول التي مرت بظروف مماثلة لظروف اليمن.
وعليه فإذا ما كان الرئيس هادي مطالب في هذه المرحلة ببذل جهوداً مضاعفة من أجل الوصول بمؤتمر الحوار إلى بر الأمان وخلق توافق حقيقي حول مشروع (التغيير والإصلاح) الشامل والمستدام, فإن المطلوب من جميع مكونات المجتمع اليمني أحزاباً ومنظمات مدنية إفراداً وجماعات - هو مساندة الرجل في كل خطواته حتى يأتي الانجاز بحجم الطموح ومخرجات (الإصلاح والتغيير) في مستوى الآمال والتطلعات إذا انه وما لم يعر كافة أبناء المجتمع حقيقة أن التغيير لا يمكن له أن يسير برجل واحدة ويستشعرون أيضا أنهم معنيون بإخراج وطنهم من أزماته المستفحلة ومسؤولون مسئولية مباشره عن إنجاز أهداف التحول والانتصار لقيم الوئام والتسامح وإغلاق صفحة الماضي بكل مصاعبها واكراهاتها فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة قد نعلم بدايتها ولكن لا ندري أين ستكون نهايتها وفي أي هاوية ستقذف بنا.
لقد اعتبر الرئيس هادي - وهو يؤدي اليمين الدستورية أمام البرلمان عقب انتخابه من الشعب في فبراير 2012 - أن قوة اليمن الحقيقية تكمن في تماسكه الاجتماعي والتفاف أبنائه حول مشروع وطني كبير تصغر أمامه المشاريع الذاتية والطموحات الأنانية القاصرة وهو محق في ذلك لأنه من يعرف تماماً أن معضلة اليمن الأساسية تكمن في غلبة الخاص على العام والذاتي على الجمعي مما جعل تاريخ اليمن حافلاً بالصراعات العصبوية داخل السلطة وخارجها على حساب بناء الدولة وانجاز قواعد هذا المشروع على نحو يجعله بعيداً عن سيطرة قبيلة أو أسرة أو حزب.
إننا اليوم أمام فرصة سانحة ستقودنا إذا ما أحسنا استغلالها إلى بناء مشروعنا المجتمعي وتحقيق طموحنا الجماعي وعلينا أن نختار بين الانتقال بين واقع جديد نكون فيه رقماً مهماً في عالم اليوم وبين الاستمرار في وضع عاجز ومستسلم ومتخلف لا يملك مصيره ولا يدري إلى أين يسير.
علي ناجي الرعوي
مشروع (التغيير) لن يسير برجل واحدة !! 2279