مع أهمية ما ذهب إليه اليمن في مواجهة التدخلات الإيرانية السافرة في شؤونه الداخلية بمطالبته مؤخراً مجلس الأمن الدولي تشكيل لجنة أممية للمشاركة في التحقيق بشأن شحنة الأسلحة الإيرانية التي جرى ضبطها في المياه الإقليمية اليمنية, فإن الواضح من تصرفات إيران أنها التي أصبحت تتعامل مع الأقطار العربية وفق استراتيجية توسعية رسمتها منذ قيام الثورة الخمينية وتحت تأثير هذه الاستراتيجية فهي التي تبني مواقفها وتحركاتها بعيداً عن أي التزام بمبادئ القانون الدولي وقواعد العيش المشترك..
لذلك ليس من المفاجئ أن تسارع طهران إلى نفي صلتها بأطنان الأسلحة المرسلة منها إلى حلفائها في اليمن على الرغم من اعتراف الأشخاص الذين ضبطوا مع تلك الأسلحة بأنها قادمة من إيران.. بل إن المفاجئ هو إصرارها على أن ما تقوم فيه باليمن من تخريب وتدمير للأمن والاستقرار ودعم للفتن الطائفية والجهوية والمناطقية والشطرية وشراء الولاءات بغية تفجير الأوضاع في هذا البلد وزرع الشقاق بين أبنائه وكأنه حق من حقوقها وليس عدواناً وانتهاكاً بربرياً لسيادة واستقلالية بلد يجمعها به وحدة العقيدة والتوحيد لله الواحد القهار.
إن خطر التوجه الإيراني في اليمن يبدو ماثلاً اليوم في قيام طهران بدعم وتمويل بعض التيارات السياسية والحركات المسلحة بالمال والسلاح, فإلى جانب ما تقدمه لحلفائها الحوثيين في شمال الشمال فقد استقطبت الحراك الانفصالي في الجنوب عن طريق بعض قياداته كعلي سالم البيض الذي لا يخفي تلقيه الأموال من إيران وتآمره على الوحدة اليمنية وانه الذي يقيم في بيروت لتسهيل نقل بعض الشباب من جنوب اليمن إلى طهران لتدريبهم من قبل الحرس الثوري.. والأخطر من كل هذا ما كشف عنه في الفترة الأخيرة رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني لأبناء الجنوب القيادي البارز محمد علي احمد والذي أشار إلى أن معظم قيادات الحراك قامت بزيارة طهران بهدف الحصول على الدعم والاتفاق على الوسائل التي من شأنها أن تساعد على التمدد الإيراني في اليمن, مؤكداً في هذا الصدد أن النفوذ الإيراني لم يعد محصوراً في نشاط الحركة الحوثية في شمال الشمال, بل إن إيران طلبت من قيادات الحراك تجنيد وتدريب 6500 شاب من الجنوب.
وإذا ما أضفنا ما سبق إلى ما ذكره الرئيس عبدربه منصور هادي في اكتوبر الماضي من أن إيران تسعى جاهدة إلى تنفيذ مخطط باليمن يتيح لها السيطرة على باب المندب الذي يعد شرياناً للملاحة والتجارة الدولية, سنجد أن إيران وبعد أن استطاعت ترسيخ أقدامها في العراق ولبنان وبعض المناطق العربية الأخرى اتجهت للبحث عن موقع آخر, فوجدت ضالتها في اليمن بالنظر إلى الرهانات الجيوسياسية الخطيرة التي ينطوي عليها اليمن ليست بالنسبة له وإنما أيضاً لأمن منطقة الخليج عموماً.
وأمام هذه الممارسات الصبيانية التي تقوم بها إيران في اليمن, هل يدرك أولئك الذين يسيرون في فلكها خطأ حساباتهم وان ما ظلوا يتمسكون به من مقولات بائسة صارت اليوم عارية ومكشوفة وليست بحاجة للمزيد من البراهين الدالة على أن إيران تتحرك وفق خطط ومواقف تخدم أجندتها وأطماعها في اليمن والمنطقة؟.. وهل يعي مثل هؤلاء المنتفعين والمستفيدين ومن على شاكلتهم ممن توافقت أهدافهم مع الأهداف الإيرانية أن حكام طهران لن يتورعوا عن تحويل اليمن إلى عراق آخر بنزعة طائفية لا تخفى أبعادها؟ وان حكام طهران يدفعون الأموال الطائلة للجماعات المتمردة والانفصالية والخارجة عن رحمها الوطني مقابل ما تقوم به من عبث بمقدرات وطنها والنيل من أمنه واستقراره؟.
ومن المهم بعد كل ذلك أن يستوعب اليمنيون والعرب جميعاً دلالات مبدأ (النفعية) الذي أسسه الإمام الخميني أواخر الثمانينات من القرن الماضي من اجل رعاية مصلحة النظام الإيراني وهو المبدأ الذي بموجبه تم إنشاء (مجلس مصلحة النظام) في فبراير 1988م لمساعدة المرشد الأعلى على تقدير مصالح النظام الإيراني ومن ذلك المبدأ فإن إيران لا ترى غضاضة حينما تقوم بانتهاك سيادة أي دولة والتعدي على حقوق الآخرين واستغلال أية أحداث في أي بلد كان من اجل بسط نفوذها كما فعلت عند (احتلال أفغانستان 2001م)،( احتلال العراق 2003م)، (حرب لبنان 2006م )، (الاعتداء على غزة 2009م) ومع اندلاع الثورات العربية بداية 2011م في تونس ومصر واليمن وليبيا, فقد اعتبرت إيران أن تلك الثورات هي امتداد للثورة الخمينية ضد الاستكبار العالمي وانطلاقاً من هذا التقييم ما لبثت إيران التغلغل في هذه البلدان بالتركيز على البعد المذهبي..
ومع أن هذه الحقائق ليست غائبة عن الأطراف العربية, لكننا لم نر إلى الآن جهداً جاداً لوقف الاستدراج الإيراني في اليمن وفي غيره قبل أن تختلط الأوراق ويقع المحظور وتتحول البلدان العربية إلى مستعمرات فارسية.
الرياض
علي ناجي الرعوي
التدخل الإيراني في اليمن !! 2202